الجمعة، 9 ديسمبر 2011

ورغم أنهما متوازيان .. يتقاطعا!




الحب والكره، خطّان متوازيان ولكنها كعادتيهما مخالفان تماماً للنظريات والبراهين، إنهما متوازيان و متقاطعان، يبدئان من نقطتين بعيدتين كلّ البعد عن بعضهما، ويقتربان شيئاً فشيئ حتى يتقاطعان في نقطة، تلك النقطة تُمثل القمّة في كليهما، القمّة في كلّ شئ، قمّة الحب في أن لا يودّ المُحبّ إلاّ التفكير في حبيبه، ولا يحبّ من الأسماء إلاّ اسمه، ولا يقرأ إلاّ ماخطته أنامله، ولا يُطرب إلاّ على أنغام صوته، وقمّة الكره أن لا يطيق الكاره التفكير فيمن يكره، ولا يبغض من الأسماء إلاّ اسمه، ولا يحرق من الأوراق إلاّ ما احتضنت احرفه، ولا يصم أذنه إلاّ عن نشاز صوته، فكلاهما عند القمّة يلتقيان في التطرف، وعليهما كلاهما أن يحافظا على ثباتها في تلك النقطة، وأن يحذرا من أيّ انزلاق على تلك القمّة، لأن الإنزلاق من عليها لن يعود راجعاً بمركب الحبّ إلى خط الحبّ وبمركب الكره إلى خطّ الكره، إنما يحدث في الإنزلاق ما يحدث عادة في أيّ خطين متقاطعين، يكمل خط الحبّ طريقه في جهة الكره، ويكمل خطّ الكره طريقه في جهة الحب..! 

أنا لا أخشى من انزلاق الكره .. بل أتمناه .. ولكن ترتعتد فرائصي من مجرد التفكير في انزلاق الحب .. كيف يتحول أحبّ المخاليق إلى أرواحنا إلى أبغضهم لقلوبنها، كيف ينهش الفزع في أماننا، كيف تهلع السكينة في نفوسنا، كيف يغسل الدمع الابتسامة، كيف لليل أن يتجبر على نور النهار؟؟  

لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن نحبّ أحدهم حتى الكره؟ أو كيف نكرهه حتى المحبّة؟ ولكنني أعلم بأنها حقيقة!!

إنها مجرد نظريه وصلت لها بعد تأمل عميق في حال البعض، ربما فيها بعض الصواب والكثير من الخطاً، ثم أن لكل قاعدة استثناء، كحالي أنا، مستثناة تماماً من هذه النظرية، إنني لا أعترف أبداً بخط الكراهية، و الحب عندي يبدأ بقمة، وإما أن يبقى في القمة أو ينزلق في خط الحب راجعاً، ونهايتي في الحب كبداية أحدهم فيه، بداية مغلفة بالغموض والاستحياء والخوف من الانغماس فيه، كمن يقف متردداً على اعتاب شاطئ، أيلقي بنفسه في أحضانه، أم يكتفي بتلك الرعشة الناتجة عن مداعبة أمواجه لأقدامه. و في نهاياتي الأشبه ببدايات أحدهم، أقف مترددة أيضاً، ولكنني أفضل أن أظل في تلك النقطة، أرقب جمال انعكاس اشعة الشمس على ذلك الشاطئ، وأصمت باحترام أمام رهبة الغروب، وأكتب على الرمال : كنت هنا، ثم ارحل باتسامة.  

الجمعة، 9 سبتمبر 2011

والحب احترق !



رأته محرقاً نفسه بالنار، ناثراً بؤسه وحماقته رماداً حوله، اقتربت منه، أرادت أن تخمد الحريق، بيد أنه سحبها إليه واحتضنها بقوة، فتناثرت أحلامها وآمالها رماداً حولها ..
كان هو أحلامها وآمالها .. !
كانت هي بؤسه وحماقته .. !  


الجمعة، 2 سبتمبر 2011

وفي كفيك أوطاني !




ومهما طال بعدي وارتحالي 
ومهما طال سهدي وانتظاري 
ستبقى أنت في قلبي 
ستبقى أنت لي أملي 
ستبقى حلم .. 
لا بل كلّ أحلامي 


ولو غنيّتني لحناً حزيناً 
سأُطْرِب .. 
ولو أسكنتني منفاً قديماً 
سأحيا .. 
ولو خَطيْتني نصاً بلا أحرف 
سأُقرأ .. 
لأن بدايتي سرُّك 
لأن نهايتي هجرُك 
وفي كفيك أوطاني !   


------------------------------------ 



لهذه الخاطرة مناسبة، فقد كتبتها بعد أن ودعت أحبتني وتركتهم خلفي .. 
وقد ارتئى أمامي وجه أمي .. فأُلهمتُ كتابتها .. 
وانتهيت منها .. وكلّ أوجه أحبتي أمامي ..  
وكلّ حبيب لي وطن! 





27-7-2011 

الخميس، 14 يوليو 2011

سجّل يا تاريخ .. أنا عربي



قبل عام تقريباً كنت اتحدث مع شخص حول العروبة، فقال لي ضمن ما قال أن العرب ظاهرة صوتية لا أكثر،
آثرت أن أنهي معه النقاش لأنه تجاهل صوتي العربي النابع من ايماني بالعروبة ولأنه كفر بذاته .. كفر بعروبته .. !! 

اليوم، وبعد الانتفاضات العربية، وبعد أن أُرخصت الأرواح في سبيل الحرية، وبعد أن تعلّم العالم على يد العرب 
كيف ترتقي الأمم بسلمية، وبعد أن آمن العدو بأن العربي الأصيل ربما يغفوا ولكنه لا يموت رغم محاولاته الجادة لإماتته، أعتقد بأن صاحبنا - الذي ورد ذكره في مطلع التدوينة - يجلس على أريكته أمام شاشة التفاز يستمع إلى الاخبار وقد بدأ يقرقع في صدره الايمان بالعروبة من جديد، ولست واثقة إن ترسّخ هذا الايمان حتى البوح، أو أنه آثر دفن ايمانه ليتنصل من المسؤولية تجاهه .. !! 

ولكنني أؤمن ايماناً شديداً، بأن الكثير من شبابنا اليوم قد محى سطر الأمركة من حياته، ذلك السطر الذي كان يُشعره بأنه لا ينتمي إلى الشطر المتخلف من العالم " العربي "، إنه متقدم ومتحضر ومنفتح - والأصح مفتوح - على الآخَر - أو الآخِر - ، ومما ولّد الإيمان في داخلي بهذا الأمر رؤية الثوّار العرب في المحطات الإذاعية يتبرؤن من أنهم آثروا كنتاكي على التمر والرغيف البلدي، أو آثروا الجينز على الكتّان المحلي، أو آثروا الانجليزية في التعبير عن هويته على العربية ..   

وإنني أرى اليوم .. شباباً يلبسون الجينز .. لأنه مريح لا أكثر .. 
يتحدثون الإنجليزية .. لأن عليهم أن يتحدثوها في موضع يتطلب ذلك لا أكثر ..  
يبتاعون المنتجات الغربية الحديثة .. لا بدعوى التقدم والكمال .. إنما لاحتياجهم لها لا أكثر
ينظرون إلى الأجنبي .. على أنه ليس أفضل منهم انما هو مختلف عنهم لا أكثر ..  
يعتزّون بعروبتهم .. ليس لأنهم ينحدرون من أصل عربي .. بل وأكثر وأكثر 
لأن الخُلق عربي .. و الأصالة عربية .. و الجمال عربي .. و الحرية عربية .. 
وكلّ ما في الوجود مكتوب بحروف عربية .. لأنه أراد سبحانه وتعالى أن يجمع أمر الدنيا والآخرة
في كتاب ونتلوه بلسان عربي .. 

لك الحق أن تعتز بعروبتك يا سليل الكرام لأن أجدادك حينما قدَروا عفوا .. وحينما حكموا عدلوا 
وحينما سادوا حرّروا .. وحينما وُلُّوا انصفوا.. وحينما تعلموا علّموا ..  
ولأنك في زمانك تصنع الإنسان .. وغيرك يصنع آلة لا أكثر .. !! 

لستُ عنصرية أو متعصبة .. إنني عربية حتى النخاع .. 
من حقي أن أتغنى بعروبتي وجمال شمسها حينما تسطع  فتُرى الحياة من خلالها
وروعة قمرها حينما يضيئ فينثر على السهارى عشقاً أصيلاً وفناً مُطرباً .. 
ومن أحقي أن أرى كلّ مافي الوجود جميل .. لأن له أصل عربي ..  

سجّل يا تريخ .. وأكتب بحبر الخلود .. أنني عربية وسأظل عربية حتى آخر رمق في حياتي وبعدها في جنتي .. 
لن تحدّني خطوط رُسمت على خريطة .. أو جواز سفر .. او ناكرٌ لدمّي .. 
نبضي عربي .. و وطني عربي .. وحلمي عربي .. وجنوني عربي .. وعشقي عربي .. وكلّي عربي ..  


اعذروني يا أكارم .. فأنا موشومة بـ " العربي " .. 



  

الخميس، 30 يونيو 2011

كـ قهــوة




خذني واسكبني في فنجان حياتك
قهوة ..
ذوّبني في عتمة ليلك
واشرب منّي كوباً 
واسهر .. 
خذني ..
انثرني في صُبحك 
عطراً ..
أملاً ..
حبراً أصفر ..   

أرشفني من فنجانك
 حتى النصف ..
دعني اتغلغل فيك بلطف ..
دعني أعزف مع اوتارك
لحن أبديّ العزف ..
دعني أسري في وجدانك
نهرٌ رقراقٌ عذب ..
مهلاً  مهلاً .. لا تتعجل ..
فالقلب مليئٌ بالفوضى ..
دعني أرشد قلباً
لم ينعم يوماً بالقهوة ..
 يسأل .. هل قهوتكم مرّة؟
مرّة ..!
إنّا نحن صنعنا القهوة ..
حلوة .. حلوة كقطعة سكّر .. 
رغم السكر ظلّت مرّة ..
فالمُرّ مخلِّدُ للذكرى 
والمُرّ مطهر للجرح 
والمُرّ نقوشٌ لا تُمحى 
والمُرُّ مُبشِّرُ بالفرح 
يا سيّدتي أخشى المُرّ .. !
الخشية مرّة !
يا سيدتي أخشى الأمر ..
حاول مرّة .. !
ولما القهوة؟
للذوبان ..
للإدمان ..
تخلق في صحوك هذيان ..
تُوقِظ في جسدك انسان .. 

يا سيّد سيَّدَتُك خذني ..
واسكبني في فنجانك قهوة
ثم ارشفني ..
واكتبني في شفتك
كلمة
و أحبسني في صدرك
غيمة ..
فأنا في فنجانك وحدك قهوة ..
 ومع غيرك
سائلُ عكر ٍ ..
غصّة ..
عتمة .. !!

الثلاثاء، 3 مايو 2011

طفلة محجبة بشابة



مازلتُ أشعر أن في داخلي طفلة لم تكبر .. 
تجبرني هذه الطفلة على استعادة ايام الطفولة .. ببرائتها .. ونقائها .. ولؤمها أحياناً !   
تضحك لانها أرادت أن تضحك .. وتبكي لأنها تريد أن تنام .. تتقرب إلى أحدهم لتخطف من يديه قطعة الحلوى ثم تركض بعيداً .. في واقع الأمر .. هي لا تريد قطعة الحلوى .. إنما تريد أن تلعب قليلاً .. 

أكثر ما يجعلني أنظر إليها بفاهٍ مفتوح، أنها تستطيع استخدامي لتحقيق غاياتها، وأنها تفرض رأيها عليّ متجاهلة رأيي تماماً .. كيف ذلك؟ وهي الطفلة وأنا الشابة الناضجة؟؟
نظرتها للحياة .. مازلت تحتلني وتسيطرعلى منافذ فكري.

احدى تلك النظرات، نظرتها لأدوات الزينة " المكياج "، تُجرجني إلى المرآءة، وتدفعني إلى التعامل مع أدوات الزينة على أنها لعبة، وسيلة للتسلية والمرح وتقليد الكبار ليس إلاّ، استسلم لرغبتها، اعبث في وجهي بكل الألوان وبأنواع المساحيق، اضحك واضحك واضحك .. تلومني الطفلة، تريد مني خفض صوتي حتى لا تكتشف أمُّها أننا عبثنا بمساحيقها، أركض نحو أمي التي ينتابها الذهول حين تنظر إلى وجهي .. تتعالى ضحكاتي من جديد .. أهمس بصوت خافت " لا تخافي .. أنتِ محجبة بشابة " !  
ينظرون الأطفال إلى مساحيق التجميل على أنها لعبة، لأنهم لا يُصنفون الأشخاص بناء على جمال الأوجهِ و حسن الهندام، إنهم يهتمون بصنيعهم، أفعالهم، ومشاعرهم، إن أقترب منهم أقلّ الناس حظاً في الجمال الخَلْقي، وقدّم لهم الحلوى، وامسك بأيديهم الصغيرة في نزهة قصيرة، وقبّل جبهاتهم الطاهرة، أصبح أكثر الناس جمالاً في أعينهم وأحبهم إلى قلوبهم واكرمهم وأشجعهم وبطلهم الاسطوري الذي ليس له مثيل. 

وهنا تكمن احدى نقاطُ خلافي مع الطفلة التي تسكنني، إنها تقبل الأشخاص أو ترفضهم تبعاً لفعلهم، أما أنا فلصورهم عليّ تأثير، نختلف كثيراً في نظرتنا للأشخاص، وفي أغلب الأحيان تنتصر تلك الطفلة المتمردة عليّ، بعد أن تعيرني بصيرتها لأرى بها، سبحان من يُغيرُ ولا يتغير، في لحظةٍ ينقلب قبيحهم في عيني جميل، وجميلهم قبيح، ولولا أن الكمال لله وحده لوصفتهم به، ثم أُبصر من عينيها الصغيرتين بريق الحياة ورغدها وهنائها معهم. 

ما زلت في حيرة من أمري ازاء هذه المحتلة الشقيّة .. لها من استعمالي كأداءة لتنفيذ مخططاتها الكثير .. ومن آرائها ما قد يضحك المستمع ويُطرب العقل .. ربما بُحت لكم عن أسرارها الخفية وحكاياتها السحرية في يوم .. ربما..! 
في الحقيقة .. لا اعلم إن كان وجود الطفلة داخلي صحي أم هو أزمة " منتصف الشباب "  !!  
ولا أعلم من التي أرادت البوح بهذه الكلمات .. أنا .. أم هي ؟!

الجمعة، 22 أبريل 2011

" نقطـــة " .. تبدأ عامها الثاني :)

أعزائي الكرام قرّاء حرفي 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..    


بالأمس أكملت مدونتي " نقطــة " عامها الأول .. 
واليوم تبدأ أول أيامها في عامها الثاني ان شاء الله ..  

ماكانت نقطة لتكمل عامها الأول لولا فضل من الله تعالى وتشجيعكم ودعمكم لها 
فالحمد لله أولاً وأخيراً على كلمة صواب طُبعت على جبين " نقطة " 
ومنه العفو والمغفرة عن الخطأ والزلل 

ولكم أعزائي كل الشكر والعرفان بالجميل 
أشكر كل من شجعني على ابتداء التدوين  
أشكر كل من دعمني في رحلة التدوين سواء بالتعليق في المدونة 
أو المشاركة بردة فعل أو بالقراءة فقط أو حتى بالرسائل 

أعتذر إن لم يرقى حرفي لذاقتكم الرفيعة  
أو لم يرضي علوِّ فكركم 

تسعدني جداً آرائكم واقتراحاتكم ونقدكم البناء 
أحدهم سألني أن أكتب  عن تجربة التدوين بعد العام الأول
ابتداً من نشأة الفكرة مروراً بـ " كيف أكتب " وانتهاءً إلى النشر .. 
أحببت فضوله ولكنني خشيت أن أثقل عليكم  بتدوينة كهذه .. 
فرأيتُ أن أترك المجال لمن هو مهتم، ليسأل كيفما يشاء هنا أو عبر البريد 
وسأرد عليه ان شاء الله وربما سأنشر سؤاله وجوابي هنا .. 

العام الأول من التدوين كان بمثابة التجربة والإكتشاف الحقيقي لطريقتي في الكتابة وأي قيم تستأثر بفكري 
و أي نوع أحب - من المقالات والخواطر - أن أشارك به غيري ..  

نقطة في عامها الثاني ستكون أكثر تنظيماً وتخطيطاً مع الكثير من المفاجآت السارّة ان شاء الله
أتمنى أن تنال استحسانكم وأن تظلّ عن حسن ظنكم 

لكم مني كل الود والتقدير .. :)



الأربعاء، 13 أبريل 2011

الرجل الذي انتصر على الشمس




لم تتمكن جفنيه من حجب اشعة الشمس القادمة من النافذة والموجهة مباشرة إلى حدقتيه، قطع الأعرابي – غاضباً-  محاولة ابتداء قيلولة، وعزم على أن يلقن الشمس درساً لن تنساه، حمل بندقيته، سألته زوجته عن وجهته فاخبرها أنه خارج لقتل الشمس، وقف أمام الشمس مباشرة،  حدّق فيها بقوة رغم انزعاج عينيه من شعاع الشمس الساطع، رفع بندقيته وصوّبها نحو الشمس، ضغط على الزناد، اسرعت الرصاصة بالخروج نحو الشمس، حينها هطل ريّان خفيف، رخى بندقيته وعاد إلى حجرته الصغيرة، نظر إلى زوجته التي بادلته النظر ولكن بذهول، أخبرها أنه لم يقتل الشمس لأنها بكت ندماً وخوفاً على ازعاجها له بعد تهديها برصاصة طائشة، وسيمنحها فرصة لتكون صديقة، تمدد على فراشه، سألته زوجته أن يتغطى بغطاء سميك حتى لا يزعجه الناموس وليس لديه ما يكفي من الرصاص لقتلهم، اعجبه رأيها فأخذ به، تلحف بالغطاء ثم أغمض عينيه، لم يجد لأشعة الشمس أثر، قال بصوت مرتفع: أنا أول من انتصر على الشمس .. اتمنى أن تحفظ عهدها حتى لا اضطر الى قتلها في المرة القادمة، سمعته زوجته .. ضحكت وقالت في نفسها: لذّة الانتصار عجيبة .. ولو كانت كاذبة!!

* كونك في ظلام .. هذا لا يعني أن الشمس ليست مشرقة !!  

السبت، 26 فبراير 2011

مريضٌ يسمعُ الصمت !!



        - نصحوني بزيارتك، ولست مقتنعاً بهذه الزيارة بيد أن خوفي من أن تصدق ظنونهم وأُصاب بالجنون دفعني إليك.
        - لماذا يعتقدون أنك ستصاب الجنون؟ 
        لأنني مختلف.
           - دعنا نتفق على قاعدة أن ليس كلّ مختلف مجنون، المبدعون والناجحون مختلفون، ثم ماهو اختلافك عنهم؟
        - انني أسمع الصمت.
           - هل لك أن توضّح لي كيف تسمع الصمت بموقف؟
           - حسناً..
       ذات مساء، كنت أمشي بجوار متجر صغير، لمحت كهلاً يجلس على عتبة المتجر وقد رفع ثوبه إلى ركبتيه وغطى سيقانه سروال طويل " سروال السنّة"، مسدلاً شماغه الأحمر على رأسه، في يده اليمنى علبة مياه غازية، وفي يده اليسرى سيجارة، يرتشف قليلاً من العلبة تارة، ويدّخن السيجارة تارة أخرى، تتم عملية التبادل بين السجارة والمشروب بهدوء تام وبحرفية، عيناه محدّقتين في بقعة صغيرة بين قدميه، وقفت بعيداً عن هذا الكهل وأخذت أتأمل حاله وملامحه، انه رثّ الهيئة، ربما يعاني من فقر مدقع وله ذريّة ضعفاء يتحمل مشقة الإنفاق عليهم، يجلس هنا ليرتاح قليلاً ويشرد بفكره عن المسؤولية العظمى التي أثقلت كاهله، ألا يعلم هذا العجوز أنه بالتدخين قد يقضي على حياته؟ من سيعول أسرته المعدمة من بعده؟ هل سيتشرد أبنائه؟ كيف سيعيشون دونه ويبقون على رمق الحياة في أيامهم؟ يا الهي الطف بهم!
عيناه مكسوتّان بالحزن والكسرّة، هي كذلك لأنه يلقي بنورهما بين نعاله المتهالك، إنه لم يعد يرى الوجود جميلاً، كلّ ما حوله يصيبه بالخيبة والإزدراء، ينظر إلى الأرض وكأنه يناديها بصوت مزلزل أن ابلعيني، هل يفكر في الانتحار؟ أرجوك لا، قد عانيت في دنياك كثيراً احفظ عليك آخرتك، من الذي كسر عينيه وأرداهما الفجعة؟ هل تنكّر له أهله عندما كان في أمسّ الحاجة اليهم؟ أو ربما خانه صديق؟ ما أمرّ خيانة الصديق، وكأنها مطرقة تنهال طرقاً على الظهر حتى يتكّسر العمود الفقري ويتحول إلى اجزاء صغيرة تجري في الدم،عندها يصاب الإنسان بالشلل التام، فلا يتحرك ولا يسمع ولا يرى ولا يتحدث ولا يشعر سوى بدبيب ألم الخيانة في أنحاء جسده!
قد بلغ هذا الرجل عتياً، وقد كتبت الشيخوخة طلاسمها ورموزها –التي لا يفهمها إلا هو عندما ينظرة في المرآة- على وجنتيه وجبينه، واجتثت عروقه من باطن كفيّه إلى سطحهما لتجعلها أكثر ملامسة للموت، ربما أحد ابنائه مصاب بمرض خطير، وهو يجلس هنا يُدبّر أمر جمع المال الذي لا يملكه لعلاج ابنه، يا الله .. كم هذا الشعور مؤلم وقاسي، لا شئ يكسر الرجل كإحساسه بالعجز؟ تباً لمن لم ينصفوه وجعلوا منه فقيراً عاجزاً !
أو ربما هو مريض، مرضٌ كائد سيودي بحياته، ويحمل همّ عائلته من بعده، أو يحمل همّ الآخرة وأهوالها، يا الهي ارحم هذا الرجل، يا الهي امسح بيمينك الطاهره على قلبه واشفه من بؤسه، تسقط دمعاتي بالتوازي مع خطواتي المتجاوزة لمقعد الرجل.
لذلك أنا مختلف، سمعت كلّ ما يجول ويدور في ذهنه وخاطره دون أن ينبس ببنت شفه، وتعاطفت معه وتقاسمت معه عنائه دون أن يدري، ولكنني أدري وإنني على يقين من أن جزء من همه تلاشي في صدره كدخان سجائره المتلاشي في الهواء عندما سمعت صمته وصافحت قلبه بقلبي وحمل همّي همّه، هل بذلك اصبح مجنون يا دكتور؟ قلّي بربك هل أنا مجنون؟ 

  - عزيزي .. حالتك بعيدة تماماً عن الجنون، ليس كلّ مرض نفسي يؤدي إلى الجنون، وليس كلّ مريض نفسيّ مجنون.
   - تقصد بأنني مريض؟
  نعم
        وما هو مرضي؟
        - أنت مريضٌ بالإنسانية، لا تخف، مثل هذه الأمراض احتمالية الشفاء منها كبيرة جداً.
        وهل الانسانية أصبحت مرض؟ وإذا كانت الإنسانية مرض فما هي الصحّة؟
           - الصحة توازن بين إنسانية الإنسان وبين اللا انسانية ( الغرائزية الحيوانية الذاتية )، بمعنى أن الفرد السويّ في عصرنا الحالي لا يطيل التأمل في حال هذا الرجل كما فعلت، لأن غريزة الحفاظ على السعادة الذاتية متوازنة مع انسانيته التي لا يتطلب استدعائها في مثل هذا الموقف، الفرد السويّ يمشي في يده هاتف محمول أو مشغل موسيقى أو شراب أو طعام، يُبعد الإنشغال بما لديه أي احتمال للتفكير بالحالة المؤلمة للرجل القابع على عتبة المتجر وبالتالي عدم استضافة الألم والهمّ في النفس كما تفعل أنت، أما ان وجد الرجل وقد مدّت يده للعوز فإنه يمشي إليه ويلقي في يده بكل عطف بعض من المال ثم يكمل انشغاله بما لديه وبهذه الحالة يصل الفرد إلى التوازن المنشود بين الغريزة والإنسانية.
دوائك بسيط، هو أن تنشغل بنفسك أكثر، لا تخالط عامة الناس وفقرائهم لمدّة شهر واحرص على انغماسك في الطبقة البرجوازية، تابع القنوات الفضائية لا سيّما المهتمة بالأغاني المصورة ثلاث ساعات يومياً، اقتص من وقتك عشرة دقائق يومياً، خصصها للتخيل، تخيل أنك نجم هوليودي تلبس أفخم الملابس ومحاط بالحلوات، ينظرون الناس اليك باعجاب ولهفة واحرص أن لا تنظر إليهم، دللّها .. اهتم بها .. عش لها .. من هي؟ نفسك أنت، سأكتب لك بعض المثبطات الانسانية، اتبع وصفتي العلاجية وستتحسن يا .. عفوا نسيت اسمك .. ذكّرني به؟ 
  - اسمي انسان .. وصفي انسان .. مرضي انسان .. 
أدار انسان ظهره إلى الطبيب وأخذ يردد عباراته السابقة بنرات تهكمية ممزوجة بألم.. اسمي انسان .. وصفي انسان .. مرضي انسان .. انسانٌ .. انسانٌ .. انسانٌ .. 

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

أكبر من أن يصفه عنوان ..

أكتب اليوم عن رجل متفرد، متميّز .. أكبر من أن يصفه عنوان، وأعمق من أن تحتويه الكلمات ..
إن أردت معلماً حذقاً.. وجدته استاذاً بارعاً 
أو أردت شيخاً جليلاً.. وجدته عالماً فاضلاً 
أو أردت صديقاً قريباً .. وجدته مخلصاً وفياً 
أو أردت كاتباً صادقاً.. وجدته صريحاً نزيهاً 
تجد فيه حنوا الجدّ وحكمته، وصرامة الأب وحرصه، وقرب الأخ وأنسه. 


إنه  الفاضل الكريم الشيخ علي الطنطاوي رحمة الله عليه..   



الشيخ عليّ نعمة من نعم الله على أهل الدنيا، أعطاهم ايّاها وبارك فيها واكرمهم بعدم زوالها، لقد رحل عنّا بجسده 
وعاش بيننا بفكره وعلمه وكلماته الخالدة. 
يحبه الكبار ممن عاصروا زمانه، كما يحبه الشباب ممن لا يتذكرون له سوى برنامجه الجميل " على مائدة الإفطار"، ويحبه أيضاً من لم يقرؤا له سوى كتاب أو مقالة ولا يعرفون عنه الكثير.  


بدأت رحلتي الممتعة في مكامن فكره المتراص كعقد منظوم في كتبه منذ خمس سنوات تقريباً، في زيارة لاحدى صديقاتي دعتني  للإطلاع على مكتبتها، وجدت في المكتبة كتاب " من حديث النفس " للشيخ على الطنطاوي، اعجبني اسم الكتاب وموضوعاته، اعارتني صديقتي الكتاب لقرائته، وكانت المرة الأولى على الإطلاق التي أقرأ فيها للشيخ علي والتي انهي فيها قراءة كتاب كامل في اسبوع واحد أو ربما أقل! 
شعرت وكأن سحر تملّكني، إذ ذهبت إلى المكتبة واخذت كتاب " من حديث النفس " ليظل في مكتبتي واشتريت معه مجموعة أخرى من كتب الشيخ عليّ منها: رجال من التاريخ - قصص من التاريخ - مواقف اجتماعية - فصول في الثقافة والأدب .. وكتب غيرها لنفس الكاتب، ثم انهلت عليها قراءة، لم تطل مدّة قراءة الكتاب الواحد لأكثر من أسبوع تقريباً.  
بعض كتبه التي اقتنيها

في كلّ شئ ينتمي إليّ وضعت له كتاب، في حقيبتي، بجوار وسادتي، أسفل سريري، في مقعدي بصالة الجلوس، على حاسوبي الشخصي.. في كل مكان .. حتى السيارة لم تسلم من كتبه!
 كنت أتوق للقراءة إلى شخص يجمع بين الإلمام بأصول الدين و قراءة الواقع قراءة منصفة والإدلاء برأي يجمع بينهما بأسلوب سهل وسلس، ووجدت ذلك في مقالات الشيخ علي. 
الشيخ علي رحمه الله من أكثر أهل الدعوة والثقافة و العلم تأثيراً، مرّ بالعديد من الخبرات والتجارب والمناصب، درس الأدب والفقه واشتغل في التدريس وفي المحاكم، كان مختلطاً بالناس عالماً باحوالهم وهمومهم، كان يعيش بينهم لذلك ابتعد عن التنظير وتبعاته. 
أكثر ما يعجبني في هذا الشيخ الكريم أنه يحترم عقل القارئ، مهما كانت أهمية القضية التي يتناولها أو حجمها، احترام عقل القارئ من اولوياته، يبدأ حديثه أو مقالته بموقف أو قصه أو رأي، ثم يحلل ما طرحه في بادئ الأمر، وأخيراً يعطي رأيه بناءً على أسباب واضحه ومنطقية تحترم عقل القارئ وتدع له الحرية في الاقتناع برأيه أو رفضه بعد فهم الحجّة.   


انتهج نهج العظماء في كتاباته وأقواله، حيث استخدم البسيط من الأقوال والأساليب ليُمثل بها أفكاراً هامّة وقضايا كبيرة، ليفهمه الصغير والكبير والعالم والجاهل، ورغم بساطة اسلوبه إلا أنه كان على قدر كبير من البلاغة والجمال.    


اهتم كثيراً بالأمة الإسلامية وأحوالها بل كانت هي أكبر همومه، أراد للشباب المسلم أن يحملوا همّ نهضتها على عاتقهم 
وأن يتحلّوا بالوسطية، فدائرة الحلال أوسع بكثير من دائرة الحرام الضيقة. 


لذلك أحببت الشيخ علي رحمه الله، أحببت مقالاته وفكره وحديثه، وجدت فيه الصدق ويكفي بالصدق صفة لمحبته، قرأت 80% من اجمالي مؤلفاته وأتوق إلى المزيد وإعادة قرائه ما سبق قرائته.
 غالباً ما أنصح الجميع بالقراءة له، لا مشكلة لديّ في اعارة كتبه أو شرائها واهداها طالما أن ذلك سيساعد في الإستفادة 
من جهوده العظيمة وآرائه القيّمة. 


أتمنى لكم قراءة ممتعة ومفيدة في أكثر المؤلفات جمالاً ومتعة وفائدة 
مؤلفات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى :)

الأربعاء، 2 فبراير 2011

رغم ذلك لا تقلقوا .. أنا بخير




 مصري يتحدث في ظل الأوضاع الراهنة يقول:

يسألوني عن أموري .. هل أنا بخير؟
نعم بخير .. لا شئ يدعوا للقلق
غير أن شمعتي التي اوقدتها 
وحميتها من الهواء والرياح العاتية
سلّمتها لأخي كي اغفوا قليلاً  
أخي .. من دمي
اخي .. ابن أبي
تخيلوا .. 
أطفأها في سويداء قلبي 
ثم رحل !
كسر ظهري 
أخي .. سرق "ضَيّي"
ورحل!
رغم ذلك .. لا تقلقوا .. أنا بخير

صديقي
على مقاعد الدراسة اجتمعنا
وعلى اللوحة السوداء رسمنا
آمالنا .. أحلامنا الوردية
طموحنا بحياة عزيزة هنية
تخيلوا .. 
يوم أن لامست احلامنا الحقيقة
وقفتُ مع صديقي وبيده حقيبة
اخرَج منها سكيناً
فقأ عيني وحلمي
ثم اقسم يميناً
تالله لست أنا .. تالله لست أنا
آه يا صديقي
ليتك فقئت عيني الأخرى  
وجعلتني أعمى
لأمسك بيدك من جديد
وأهمس في اذنك من قريب
كان لي صديق .. كان لي صديق !
قولّي بربّك .. كيف لمقلة واحد أن تبكيك
قولّي يا صديق !
رغم ذلك .. لا تقلقوا .. أنا بخير 

أمي .. حبيبتي 
وطني .. أنا
لا ذنب لي أنني أحبها
وأنها تحبني
قتلوني ولم يأتوا بدمٍ اِفك   
اتوا بدمي
نثروه على قدميها
والله سيورّد حرية وحبّ
قدموا لها قميصي وقد قُدّ
قالوا لها خائن عميل
فوضويٌ مُنتهِك
قالت لهم والله  لم يخون
ابني وأعلم من يكون
مصريٌّ أبيٌّ 
كلما مات يقوم  

لذلك لا تقلقوا .. أنا بخير .. أنا بخير  



دعواتنا وابتهالاتنا ليحفظ الله مصر وأهلها من كلّ شر ..

الاثنين، 31 يناير 2011

من قال أني لا أثور؟

أسعد الله صباح ومساء كل من يقرأ كلماتي الآن .. :) 

وصلتي رسالة من قارئ كريم اختار لنفسه لقب " متابع
يعاتبني فيها على الانقطاع الطويل في نشر مواضيع جديدة على المدونة، ثم استنكر صمتي خلال الأحداث الجارية 
ودعاني إلى أن أكتب وأثور وأعبر عما يجول في خاطري من خلال المدونة. 

الكريم " متابع " .. أشكر لك متابعتك للمدونة وحرصك عليها، واعتذر من تكرر الانقطاع 
ولكنه ليس انقطاع بمعنى الانقطاع، انما هو تغيُّب نسبي بسبب حرصي الشديد على مراجعة أفكاري وكلماتي قبل نشرها 
وذلك يتطلب وقت طويل نوعاً ما في التدقيق وانتاج محتوى يليق بالقارئ الكريم. 
أشكرك مجدداً، اسعدني اهتمامك.  

وفيما يتعلق بالصمت والثورة والأحداث الجارية ، 
من أوحى لك بأنني لست بثائرة أو لا أثور؟ 
قل لي من يستطيع أن لا يثور في ظلّ أحداث تونس ومصر وحرقة القلب على جدّة؟ 
أنت ثائر .. لذلك بعث لي برسالتك .. 
وأنا ثائرة ولكن على طريقتي، الصمت في بعض المواقف أبلغ من الكلام، لست صائمة عن الدعاء والدعم بما استطيع 
لقضايا الأمة وان كانت أهمها حالياً قضية مصر، ولكنني أترفع عن قول ما لا أعلم، لست محللة سياسية ولا عالمة 
ولا مفكرة .. إنما أنا مواطنة مسلمة عربية حتى النخاع، تمسني تلك القضايا وتأخذ الأولوية في حياتي، ولكني احب الاستماع والقراءة لمن هم أعلم في هذه الأمور، لديّ القليل من بعد النظر في معرفة إذا ماكانت مقالاتي هنا 
ستحقق فائدة أو يبنغي عليّ استثمار جهدي الفكري فيما هو أكثر فائدة، إنني الآن أثور مع أمتي بهتافاتي وندائاتي ودعواتي. 

ولا أخفيك، أن فكري في حالة ثورة لم يشهدها من قبل، كلّ ماكنت أقرأة في الكتب عن إرادة الشعوب والحرية والثورة 
أجده اليوم وبين ليلة وضحاها في بثّ متواصل على الهواء مباشرة، إنه أمر لم يواجهه جيل آبائنا وأساتذتنا من قبل، لذلك أجُند قواتي العقلية والفكرية لاستيعاب ما يحدث وتحصيل الاجابات لأسئلة ربما لن أسألها مجدداَ.  

شكراً لك يا متابع على استفزاز صمتي .. 
وسأعيدها مجدداً .. الصمت في بعض المواقف أبلغ .. وبعض الكلام بكاء! 


الاثنين، 10 يناير 2011

لماذا الذبابة وليس دودة القزّ؟؟


لا تخفى عليكم الأزمات التي تعصف بأمتنا الإسلامية، كما لا يخفى عليكم أن الإنسان الآن هو أزمة بحدّ ذاته 
ما لم يتسم بالوعي جرّاء ما يحدث والعمل بمقتضى هذا الوعي لحلّ الأزمات، و لدينا من الأمثلة الكثير على أولائك 
الذين يسعون في الأرض اصلاحاً، وأعتقد أن وجودهم مُبشر بالخير و حدث طبيعي يتوافق مع مهمتنا التي كلفنا بها الله تعالى " الإصلاح والبناء". 
أما الإنسان " الأزمة" فله أشكال متعددة وجماعات متنوعة نراها في الحياة، إن أكثر تلك الجماعات استفزازاً للمجتمع وهدماً فيه هي الفئة التي اتخذت الذبابة قدوتها، من منا لا يعرف الذبابة؟ كيف تعيش؟ ماذا تأكل؟ علاقتها بالبشر؟، الذبابة تعتبر من أقذر الحشرات، حيث تعيش بين النفايات، تقتات منها، وتستمتع بين أحضانها، ثم تبدأ جولتها في مضايقة بني البشر، بالإقتراب من طعامهم أو شرابهم فيكون مصيرة " الزبالة" أو في الإقتراب منهم بشكل مقزز مما يعكر أمزجتهم وقد يفقدهم صوابهم. 
تلاميذ الذبابة لا تكاد تخلو حياة احد منا منهم، نجدهم لا يرون في المجتمع إلا السلبيات والمشاكل والفضائح، يكبرونها ويجعلونها معضلة لا يمكن العيش دون حلها وأن لا تقدم ولا حضارة مادامت هذه المشكلات موجودة، ولا داعي للعمل أو العطاء فالمجتمع متخلف لا يقدّر ذلك ويذهلني توفر أدلتهم الشاذة، وإذا ذكرت أمامهم مصطلح نهضة أو تطور يقهقهون وكأنك ألقيت بنكتة ثم يُتبعون ضحكاتهم بقول: أنت تعيش بين الكتب ولا تعلم كيف يعيش المجتمع؟  


نجد هذه الفئة متمثلة في زميل الدراسة عندما يتسائل بغباء " ليه تدرس هوا الواحد لاقي وظائف، يقلك واحد اتخرج له 5 سنوات بمتتاز والآن يشتغل سواق تكسي .. تخيّل .. كبّر مخك"!!  
أو في زميل عمل متجرد من المسؤولية يقول" إنت شغال بقوة ليه، اتنفس شوية مافي شئ بيفيد في البلد دي وراتبك ماشي ماشي .. ياخي ماحد داري عنك إنت بتشتغل اساسا!"  
أو في مواطن عادي ولكنه متفلسف يقول " كلو فساد في فساد .. لا تحاول تغير !! "
أو في كاتب صحفي سمع عن مشروع تنموي فيكتب " يبدوا أن المشروع حاصل على ميزانية عالية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه مالدوافع الحقيقية وراء هذا المشروع، إن صاحبه يريد الشهرة وتاريخه يشهد بـ ........ !!"  
إعلامنا العربي بشكل عام أكبر دافع وحفز إلى السلبية، إنه يسقط على قذارات البشر ومشكلات تظهر بصورة بسيطة، ويأخذها ويعرضها في فلم أو مسلسل أو تحقيق أو برنامج، يعرضون هذه السلبيات مجرد عرض سخيف ومقزز، يدّعون معالجة القضايا، وهم يعملون على نشرها بعد أن كانت في حكم المجهول !  
إن هذا الحجم الكبير من السلبية التي يتم نشرها بين الناس هي الدافع الأول لهم نحو الانحطاط والتدهور حاملين شعار " الدنيا صارت بشعة .. مافي فايدة من شئ!"  


أضاقت الأرض بما رحبت بالإيجابيات؟ المبشرات؟ الخيرات؟ 
لا شئ سوى السواد؟؟ من الذي يتجاهل بصمة الشمس على الأوجه الاخرى للأشياء؟؟


لست ضدّ دراسة المشكلات بطريقة علمية ممنهجة وإيجاد الحلول ونشرها بين الناس، على النقيض تماماً، هذه الدراسات المدعومة بحلول واقعية وعقلانية من متخصصين تدعم حركة التنمية بصورة كبيرة، مثلا موضوع البطالة، نُرحب بمكن يقوم بدراسة جذور الظاهرة ومسبباتها دراسة عميقة، ثم يجتمع بمجموعة من المتخصصين والشباب لايجاد الحلول المناسبة، إن طرح المشكلة مع حلّها مدعاة إلى الأمل والتفاؤل، وتلك الفئة التي تنتهج هذا النهج تُذكرني بدودة القزّ، إنها لا تتغذى إلى على الطيبات مثل ورق التوت وورق البرتقال وورق الخس، ثم تنتج للناس أجود أنواع الأنسجة وأجملهم على الإطلاق " الحرير " الذي يتغنى به الفقير قبل الغني.  


دودة القزّ راقية .. عاملة .. منتجة .. محببة. 
الذبابة قذرة .. متطفلة .. لا يأتي منها خير .. مقززة  .. كل من يراها يتمنى ضربها بمضرب أو حذاء.  


أعتقد بأن الدور المطلوب منا الآن وفي هذه الحقبة من الزمن ونحن نقف على أعتاب النهضة إما أن نحققها أو نتراجع عنها هو نفس الدور الذي تقوم به دودة القزّ، أن نُغذي عقولنا وجوارحنا بأرقى المواد واسماها، ليُترجم السلوك هذا الرقّي بإيجابية تفوق الحرير جمالاً وبهاءً. 
وأن نغلق أبوابنا ونوافذنا في وجه الذباب، ونحمل المضارب لنطرق رؤسهم إن أضطر الأمر !