الجمعة، 26 نوفمبر 2010

الرياض .. كلاكيت تاني مرة


" الرياض .. مو حلوة واهلها فيهم تعصب وفيهم وفيهم انصحك لا تروحيها"..
ترددت هذه العبارة في " وجهي " كثيراً طوال عمري فتمنيت من قلبي أن لا أزور الرياض أبداً، لست اكرهها ولا أحبها، ولكنه انطباع ظلّ راسخ في ذهني .. وما كل ما يتمنى المرء يدركه!!
اضطررت إلى زيارة الرياض -لأول مرة- في شهر مارس من اجل مؤتمر وفعالية اخرى، تحمست لتلك الزيارة لأنني سألتقي
مع صديقتي المقربة جداً وخالي الذي اشتقتُ اليه كثيراً، وبعد برهة قلّ حماسي، لماذا .. لأنها الرياض!! 
جهزت حقيبة سفري وكنت برفقة اختي، ذهبنا الى المطار مع والدتي واختي الصغرى، وتلك أولى سفراتنا التي ودّعنا فيها الوالدة حفظها الله واهلنا وانطلقنا دونهم، وصلنا متأخرين عن موعد الوصول المحدد، أُجبرت على حمل حقيبة الملابس في يدي وصعدت بها إلى الباص المقيت المتحرك، ظلت الحقيبة تترنح معي حتى وصلنا إلى الطائرة، وهنا كانت المأساة، حيث أنني حملتها وصعدت بها سلالم الطائرة الطويلة المملة حتى أوشك نفسي على الانقطاع، دخلت بها الطائرة ووقفت عند مقعدي انظر حولي وأقول في نفسي: هل من مساعد على رفع هذه المصيبة داخل الخزائن العلوية؟، يبدوا أن جميع الركاب قالوا في نفسهم:لا، التقطت انفاسي وقلت - الله لا يحوجني لأحد - وقذفتها داخل الخزانة كلاعب بارع قذف الكرة في السلة، بعدها جلست على المقعد وقلت ببؤس: أهلا بالرياض !! 

وصلت الى مطار الملك خالد، استقبلنا اخي وخرجنا من المطار بسلام، ركبت في السيارة محدقة في الشوارع والأشخاص، لا يوجد شئ غريب في هذه المدينة يُبرر احساسي السئ تجاهها، سأبتسم للرياض لتبتسم لي، ومنذ متى أتأثر بـ"كلام الناس"، لا تؤثر بي إلا مبادئي، ومبادئي تُحتّم عليّ اعطاء فرصة للرياض لتُدرج في قائمة " أحبائي" .. بهذا خاطبت نفسي، ولكنني مازلت قلقة تجاه تعصب أهلها وتعاليهم، إنني أكرة التعصب جداً، نتنٌ وقذر، أكرهه بكل مستوياته على صعيد الدولة الواحدة أو الأمة بأكملها، وإن قابلت أحد المتعصبين سأغلق أذني عن "نتانته" وأرتقي بمبادئي عن الردّ، نعم .. هذا ما سأفعل! 

وهنا أتحدث بأمانة، بأنني خالطت أهل الرياض في المؤتمر و في الأماكن العامة وفي فعاليات مختلفة فلم أجد منهم أي اسائه، بالرغم من لهجتي الحجازية الواضحة جداً وطريقة حجابي المختلفة عن حجاب نساء الرياض إلاّ أنني لم أجد مضايقة على الاطلاق.
ومن أجمل ما حدث في هذا الموضوع، أننا ذهبنا إلى " الرياض جاليري" فجلسنا في احدى المقاهي، واعجبنا ما قدموه لنا.
منظر من داخل الرياض جاليري .. جلسنا تقريبا هنا

قُبيل انصرافنا توجهنا الى المسؤول - سعودي من اهل الرياض- في المقهى وسألناه ان كان لهم فرع في الحجاز، اجاب بالنفي و كان لطيف جداً لدرجة انه قدم لنا قطعة كعك هدية لأننا "ضيوفهم" وقليل من أجود انواع البن لديهم، وحينما اردنا دفع المال مقابل البن رفض، وقال انه تعبير عن حبه وتقديره لأهل الحجاز، يا الهي .. كم اثّر في قلبي موقف هذا الرجل، ليس كل ما يُقال صحيح وليس كل مانراه صحيح أيضاً، هذا الرجل من أهل الرياض .. ويحترمنا ويقدرنا .. من يريد السوء لهذا البلد بتفكيك وحدة ابنائه؟؟
ان كانوا ابناء الوطن فهم اغبى من ذلك لأننا سنتصدى لـ " نتانتهم" بطيب نفوسنا ومحبتنا، وإن كانوا من خارج الوطن فلا يحيق المكر السيئ إلى بأهله. 

أشعر دائما برعاية ربي، وانه دائما بكرمه يعلمني ما جهلت، وأفتش عن رسائله لي في كل حدث، دقّ أو جلّ، وها أنا أقرئ رسالته واضحة جلّية في رحلتي هذه، لا للحكم المسبق، حسن الظن والمحبة هما الأساس. 

قضيت في الرياض أيام جميلة جداً برفقة أختي وصديقتي وأخي، ما كنا نذهب إلى المنزل إلاّ قليلاً للجلوس مع خالي، ومن اطرف المواقف، أن اخي قابل للضياع في شوارع الرياض، وكان يُحدد وجهته بناء على موقع برجي الفيصلة والمملكة، في احدى " مشاويرنا" ضللنا الطريق، وغاب عن ناظريه البرجان، اتصل خالي وكأنه يشعر بأمرنا، فأخبرناه أننا على ما يرام وما كنا ندري أننا في طريق الدمام !!
تركت أخي مع أختي يبحثون عن مخرج وسبيل للعودة إلى " الفيصلية والمملكة" وانا استلقيتُ في المقاعد الخلفية أرتاح تارة و أغني تارة و" أطقطق " على رأس أخي تارة أخرى .. حتى عدنا ادراجنا بعد اكثر من ساعة ونصف!!

موقف طريف آخر تعرضنا له بعد خروجنا من معرض الكتاب الذي قضينا فيه مايقارب اربع ساعات، كان اخي الحبيب منهك جداً فحمل الكتب الكثيرة على ظهره وتقدمنا مع اختي، وكنت وصديقتي في الخلف، صديقتي تكشف عن وجهها، فأقترب منا أحد " المطاوعة" ونظر إلى الأعلى فوجد وجه صديقتي فقال " تغطية الوجه واجبة " ثم اشاح بنظره إلى الأسفل ليجد بنطالي الذي انكشف عنه طرف العباءة السفلي فقال" ولبس البنطال محرم" .. لم اتمالك نفسي .. انفجرت ضاحكة .. ما بين فتوى وفتوى أقل من ربع دقيقة، قلنا له جزاك الله خيراً وانصرفنا .. الموقف ليس فكاهي .. ولكن في وقته كان فكاهياً جداً !! 

الرياض جميلة ومتقدمة مقارنة بمدن عربية كثيرة، أحببتها بحسنها وعيوبها، ولكنني أستنكرت البرود فيها .. لا أشعر أن فيها روح تحركها .. لا اعلم لماذا؟؟ 


بعد يومين سأزور الرياض مجدداً لأيام قلائل، ولكن هذه المرة سأنثر على الرياض عبق محبتي فور وصولي، سأجدد عهدي الجميل بها، سأستمتع بكل لحظة معها وأدون تفاصيلي الدقيقة في ارجائها، سأبتسم للرياض واهلها الطيبون من قبل وصولي اليها بيوم .. :)

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

إدراكٌ متأخر



في طفولتي .. كنت أشعر وأنني أميرة في البلاد.. الشمس تبتسم لي كلّ صباح ولا تشرق إلاّ عندما استيقظ أنا ..
والقمر بعيدً جداً لأنه يخشى المقارنة .. والبحر لا يهمس بأسراره إلاّ لي .. 
ولا يرسل أمواجه لتداعب قدماً إلاّ قدمي .. 
كنت أشعر وكأن الكون مخلوق لأجلي..!!
عندما فارقتي الطفولة .. أدركت أنني أميرة نفسي فقط..  
وأن الشمس لا تعرف الابتسام فما هي إلاّ كتلة من حميم ..
وأن القمر بعيداً جداً ليخفي وجهه القبيح المستور بقطعة نور .. 
وأني لا اهمس أسراري إلاّ للبحر .. 
بِتُّ أشعر أنني مخلوقة لأجل هذا الكون .. !!      

بعضُ الإدراكِ مؤلم .. و مؤلمٌ جداً إذا تأخر .. 


الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

أهل مكة والحج

لم أكن انوي كتابة هذه التدوينة، ولكن لأيّام الحج طعم مختلف ونهكة خاصة، هيّجت في داخلي ذكريات ومعاني اختص بها أهل مكة. 

أكاد أجزم بأن حال المسلمين خارج مكة في شهر الحج يتراوح بين مشتاق أضناه الحنين إلى الحج، وبين متأهبٌ للسفر لأداء الفريضة، وبين موصي بالدعاء متابع لأيّام الحج عبر شاشات التلفاز، وبين لا هٍ منشغل بالتبضُّعِ لعيد الأضحى، ولكن ما حالُ أهل مكة في هذه الأيام؟؟ ذاك ما سأتطرق اليه في هذه التدوينة ان شاء الله.

في مثل هذه الأيام المباركة تزدحم مكة ازدحاماً شديداً، فالمسافة التي اعتدنا ان نقطعها في 10 دقائق، نقطعها في هذه الأيام في ساعة أو أكثر، بعض الأماكن لا يمكن زيارتها أبداً من شدّة الزحام ووجود الباصات التي تُغلق الشوارع، فنضطر إلى المكوث في بيوتنا ولا نغادرها إلاّ في الحالات الضرورية جداً، حتى المعابر المفضية إلى مكة تكون شديدة الإزدحام بسبب تفتيش الوافدين و دواعي أمنية، اذكر اننا في السنة الماضية نزلنا إلى جدة في اليوم الثامن من الحج، وعند نقطة التفيش " الشميسي"  في طريق عودتنا، انتظرنا ما يقارب الثلاث ساعات حتى نمر منها، انتهت في هذه الساعات أحاديثنا وضحكاتنا وبدأ الملل حتى قاربنا على البكاء ولكن فرج الله أقرب :)   


يعاني أهل مكة في موسمي رمضان والحج من عدوى الزكام ونوبات البرد بسبب اختلاطهم مع ضيوف الرحمن اللذين يصابون بالأمراض نتيجة تغيّر الجو عليهم، ورغم الزحمة والأمراض لا يستطيع المكّي الشكوى أو التذمر لأنهم ضيوف الرحمن، مجاورتهم وخدمتهم شرفٌ من الله تبارك وتعالى، ولا يسعنا سوى الترحيب بهم وتقديم ما يمكن تقديمه، وماذكرته عن الزحمة والمرض ما هو إلا من باب شرح الوضع لا أكثر. 

في مكة، يوّدع النساء رجالهن لارتباطهم بأعمال الحج التي تفرض عليهم المرابطة وترك أهليهم لأيّام وليالي، فتخلوا المنازل إلاّ من النساء والأطفال، وهذه الحالة ولّدت عادة من عادات أهل مكة في أيّام الحج تُسمى " الخُلِّيف"، وهي اجتماع نساء وأطفال العائلة الكبيرة في منزل واحد، مثلا تجتمع في البيت الكبير " بيت السيد أو الستّ " بناتهم وزوجات ابنائهم واحفادهم ويقضين فترة الحج سوياً في بيت واحد، فيقال: فلانة خلّفت عند اهل زوجها، اي قضت فترة الحج " الخُلّيف" عندهم.

ونتجت عن تلك العادة عادة جديدة، وهي " القيس "، يجتمع النساء ويضربن على الدفوف أو القدور حسب المتوفر ويغنين ويلبس بعضهن لبس الرجال حتى إذا مرّ رجل من غير أهل الحارة ظنّ مع الضجة و الأصوات العالية أن في البيوت رجال فيبتعد دون أذيّة أو مشاكسة، وذاك يدل على براعة نساء مكة وذكائهن، وأن المرأة منهن برجل أو عشرة وربما مائة.

في أيّام الحج يكاد المارّ بجوار بيوت مكة أن يشمّ أزكى الروائح، فالنساء يُعددن الكعك المحشو بالتمر " المعمول" ويتفنن في اعداده،أو كعك حلو المذاق يسمى " الغُريّبة"، حتى يطعمن الحجيج منه ويتهادين به فيما بينهن متفاخرة كلّ واحدة منهن بجودة ولذّة صنيعها.   


في يوم عرفة، اشتهر عن نساء مكة اعداد انواع الطعام وتقديمه للحجاج، ليقوّيهم على أداء فريضتهم، كما يُعددن أشهى أنواع الأكلات للإفطار بعد صيام هذا اليوم الجليل.

غالباً لا يشعر أهل مكة بعيد الأضحى المبارك ولا يفرحون فيه كفرحهم في عيد الفطر المبارك، لأن النساء في جهة والرجال في جهة أخرى، ولا يتسنى للعائلة أن تجتمع إلى قليل، ولا يمكن تبادل الزيارات أو التنزه بسبب الزحام وانشغال الرجال، وفي يوم العيد نجد ابناء الجيران يدّقون الأبواب ليقدّموا هدية العيد وهي قليل من لحم الأضحية حيث تتفنن المكّاويات في طبخه واعداده. 

من أجمل عادات أهل مكة " النتيرة"، وهي حفلة تُعد لمن حجت لأول مرة في حياتها، تتبنى احدى النساء هذه الحفلة لاقامتها في منزلها بعد عودة الحاجّة من الحج، تتم الحفلة كالتالي: تجلس الحاجّة في وسط الغرفة وتُرفع فوق رأسها قطعة قماش وردية اللون " شرشف بمبى"، ثم ينثر على قطعة القماش حلوى البتاسا الحمراء وحلوى الحمص واللوز والجوز والفستق ويوضع معهم قطع نقدية " قروش"، فيندفع الاطفال نحو الحلوى والقروش المنثورة ويشرعوا في جمعها، وتهلل النساء وتبارك لها متمنيات لها القبول.

هذه ملامح الحجّ في مكة المكرمة، ذكرت في هذه التدوينة الكثيرعن النساء، أمّا رجالنا فحكاياتهم مختلفة كلّياً بين عمل ومرابطة، في كلّ موسم نرفع أيدينا مبتهلين ليحفظ الله حجّاجه ورجالنا القائمين على خدمتهم ويغنمّهم جميعاً ويردهم سالمين.

كلّ عام وأنتم بخير .. 

وعمَــــــــــار يا مكة