الأحد، 19 ديسمبر 2010

حالم



خالد، طفل بين خمسة عشرة من الاخوة، من المفترض أن يكون آخر العنقود المدلل، ولكنه حمل طوال حياته لقب "الغلطة"، كان ينام فوق السطح، مُتلحفاً بالسماء، مفترشاً الحصيف، ذات يوم لمح في الأفق البعيد نجماً برّاقاً، حلم بأن يمسه بيديه، يلبسه تاجاً، أو ياكله في بطنه ليُشع نوراً، ظل ذاك الحلم يراود الطفل حتى اصبح شاب يافع، قرر أن يخبر الجميع بحلمه.  

 اليوم الأول: بلّغ أمه بأنه يريد أن يصبح رائد فضاء، يريد تقبيل أعتاب السماء التي احتضنته واحتضنها طويلاً، فقالت له:" بالله عليك لا تضيّع وقتي بهذيانك، نحن ما تحضنّا إلا قبورنا"، غصّ خالد بحديثها وانصرف.
 اليوم الثاني: اخبر والده بحلمه، نظر والده بشزر ثم قال:" نحن مانوسّخ السماء بأغلاطنا، ترا مانت صاير غير رائد مركبة تاكسي"، ذُرِفت دمعة من احدى عيني خالد وانصرف.
 اليوم الثالث: حكى خالد لمعلمه عن حلمه الأزلي، فقال له:"رائد فضاء وفي بلادنا! لو انك في امريكا كان ابرك، روح الله يهديك روح"، ذرفت عينه الثانية دمعة.
 اليوم الرابع: اجتمع مع اصدقائه على قارعة الطريق وحكى لهم عن ما تبقى من حلمه فقال أحدهم" نحن ما حوتنا أرض، تبي تحوينا سما؟ خذ واشربلك هذه السجارة تعدّل مزاجك"، تناول خالد السيجارة حابساً دموعه في عينيه ليحافظ على رجولته امام اصدقائه، عاد الى منزله يتطوّح من تأثيرها، وجد والده في انتظاره، انهال عليه ضربا قائل:"هذه تربيتي!"، ردّ خالد " إنت ما ربيتي،انا رباني الخواء"، فما كان من والده إلا طرده من المنزل.
اليوم الخامس: خالد نائم في مدخل ازقة، استيقظ على صوت يناديه: من انت يا بُني ومالذي اتى بك هنا، أنا خالد، أتيت هنا لان والدي طردني، ولماذا طردك، تخيل! لأنني حلمت أن اكون رائد فضاء، سأحقق لك حلمك، أتسخر مني؟، أقسم بمن خلق الفضاء بأنني لا اسخر، تعال معي لأعرفك على بعض الأصدقاء، دخلوا على مجلس مكتظ بالرجال، فأخذ الرجل يُعرّف بخالد: هذا خالد ابن الوليد،حلمه ان يصعد الفضاء، قال أحدهم: حيالله خالد ابن الوليد، تبدوا على وجهك علامات الذكاء والفطنة، سنرسلك إلى أعلى من الفضاء وسنزوجك وسنضمن لك نعيماً دائم لا ينقطع، تهلل وجه خالد، فقال الرجل: موعد التدريب غداً.
اليوم السادس: بدأ التدريب على الاقلاع، بأن يربط في خصره حزام ويُحلّق بيديه عالياً قائل: الله أكبر ها انا أتحرر.
اليوم السابع: وقف في الميدان ليشهد على تحقيق حلمه الانام، كبس الزرّ، طار في الهواء ولكنه أشلاء، انساب على الأرض ما تبقى من دموعه الحمراء.
نظر مدربه بحنق ثم قال: رحمه الله لم يصيب الهدف، كنت انوي الخلاص من عدوّ الله ذاك الشرطي العميل، لكن يبدوا أن الفتاتين والشاب كانوا على علاقة مشبوهة فأراد الله للفساد ان ينتهي على ايدينا!!  

هناك 6 تعليقات:

  1. ماشاء الله القصص كلها حلوة لكن حبيت هادي اكتر وحده
    فيها احسان :)

    الله يعطيكي العافيه

    ردحذف
  2. مرهق خالد بحلمه
    في شبابنا الكثير من خالد وتختلف اساليب احتضان احلامهم.
    جميلة القصة
    بالتوفيق

    ردحذف
  3. أبدعتي أبدعتي يا ملاك .... بكل معنى حكاية وفكرة ... بكل يوم عبرة ! كم هم مساكين أمثال خالد وكم نحن نظلم أنفسنا بقتل طموح يرتسم على وجه طفل يريد أن يحلق في السماء !!

    ردحذف
  4. احسان .. يعجبني هذا الإسم :)
    شكراً لمتابعتك الدائمة
    وسعيدة جداً لأنها اعجبتك ..

    ردحذف
  5. صاحب التعليق الثاني ..
    أرهق الحلم أقرباء خالد ..
    فاضطروا الى الهروب منه بتحطيمه ..
    وقد تحطم بالفعل !!
    علينا جميعاً أن نتشارك في احتضان احلامنا
    حتى نحميها ونحمي انفسنا ..
    شكرا لك .. قرائتك اسعدتني :)

    ردحذف
  6. عزيزتي بشرى ..
    أعجبتني عبارتك " كم نحن نظلم أنفسنا بقتل طموح يرتسم على وجه طفل يريد أن يحلق في السماء !!"
    إنه ظلم لأنفسنا قبل أن يكون ظلم لبراءة طفل ..
    سعيدة جداً لأن القصة نالت اعجابك .. :)

    ردحذف

عزيزي القارئ .. رأيك محط اهتمامنا وتقديرنا .. فأكرمنا به.