السبت، 1 مايو 2010

.. رســــــالة ..


مصر .. بلد الحرية والنصر .. أُحبها جداً .. فـبالرغم من همومها العظيمة وأوجاعها الأليمة .. تجعلني سعيدة .. وكأن الهم والوجع لم يعرف طريقي يوماً .. !!

في احدى زيارتنا اليها تلقينا دعوة للغداء من احد أصدقائنا هناك, صاحبة الدعوة تُدعى كوثر – اناديها بـ ستو كوثر احتراماً لسنها ولأنها ليست *ستّي الحقيقية - إنها امرأة ريفية .. في أواخر الخمسين من عمرها .. كريمة .. محترمة .. تستحق الحب والتقدير لأنها " جدعة .. بنت بلد" .. دعتنا الى منزلها الجميل في منطقة زراعية, كان للمنزل اطلالة رائعة على نهر صغير اصطفت حوله شُجيرات قليلة .. وقفتُ في شرفة المنزل الواسعة أتأمل النهر .. الشجيرات .. العاملين الكادحين .. يا لبركة تلك الوجوه المتصببة عرقاً بعد يوم طويل وشاق من العمل!!

وبينما كنت اتأمل .. وقعت عيناي على محل نجارة صغير يقع أسفل منزل ستو كوثر - وكنت انذاك مهتمة كثيراً بموضوع النجارة حتى انني صنعت بمفردي رفّ للكتب في ورشتي الصغيرة على سطح منزلي - وعلى الفور طلبت منها زيارة المحل, رحبّت بالطلب وقالت بأن صاحب المحل صديقهم وسيسعد بزيارتي, نزلنا سوياً ودخلنا المحل, بدأت هي بالسلام والكلام مع صاحب المحل أمّا انا فتجولت مبهورة في ارجائه .. خشب .. آلات متقدمه للنشر .. أعمال منجزة رائعة .. وأخرى في طور الانجاز .. ما اجمل تراقص قطع الخشب المتطايرة على موسيقى صوت آلات النشر, لم يقطع عليّ حالة الانبهار سوى صوت ستو كوثر وهي تُعرَّفُني بصاحب المحل, كان هادئ الملامح, زُيّن وجهه بلحية خفيفة, ابتسمت له والقيتُ عليه التحية, عندها نظَر إليّ نظرة غضب وبالكاد رد التحية, همست في أُذن ستو كوثر " أشعر بأن وجودنا ازعجه .. دعينا نرحل", استنكرت قولي ونفت وجود اي ازعاج وقبضت على يدي واخذتني في جولة داخل المحل, كانت تتحدث وتشرح ولكنّي لم اسمع شيئاً مما قالته, لأن بالي منشغل بسؤال واحد .. لماذا غضب حين رآني؟ إنها المرة الأولى التي ألقاه فيها .. !!

انتهت جولتنا .. شَكَرتْ ستو كوثر صاحب المحل وبقيتُ صامتة ,وذاك طبعي عندما اشعر بارتياب وحيرة, وقفنا على عتبة المحل .. نظرت إلى صاحب المحل طويلاً ثم انصرفت.

عيناه .. إنها تحمل معاني غاضبة .. بائسة .. أليمة .. حُزنٌ دفين أضفى على عينيه العسلية سواداً عظيم, عندها توقفت وسألت ستو كوثر " ما بال هذا الرجل؟", قالت: اعذريني .. نسيت ان أقُّص عليكِ حكايته قبل ان تلتقين به, إنه رجل خلوق ومحافظ .. تزوجت اخته الصغرى من رجل سعودي كبير السن .. اغراهم بماله فزوجوه ابنتهم بالرغم من عدم موافقة أخوها الأكبر واحتقاره لصنيعهم, ثم اخذها زوجها الى السعودية وما هي إلا اشهر حتى عادت مطلقة, عادت بلا هدايا الذهب التي اعطاها اياها من قبل .. وبلا مؤخّر .. لم تكسب اي شئ من هذه الزيجة سوى انها اصبحت مطلقة, غَضِبَ اخوها .. واخذ موقف من السعودية واهلها.

لم استطيع الرد .. تذكرت نظرات الرجل .. وتذكرت ان هويتي السعودية كانت واضحة في حجابي وطريقة كلامي .. بدأت اصوات تتعالى داخلي .. آه لو كانَت اخبرتني عن هذه القصة قبل ان نلقاه لوَفَّرتْ عليَّ كثيراً من الاحراج, لماذا يا ابناء بلدي تُصِرّون على تشويه صورتنا في الخارج, هل هذا ردكم لجميل الوطن؟ هل هذا الدين الذي تحملون امانة تمثيله في اعناقكم؟

لوهلة .. أُصبتُ بخيبة أمل .. وأحسست بأني مدينة باعتذار لذلك الرجل .. سكت طويلاً .. ثم أخبرت ستو كوثر أن تحفظ عني ما سأقوله .. وتنقله إلى صاحب المحل .. قلت لها:

" أخبريه .. أنني احترم جرحه العميق .. وكما ادماه فإنه ادماني .. وكلنا سواء .. وكما ان منهم الصالح ومنهم دون ذلك .. فإن منّا الصالح ومنّا دون ذلك .. وان كان فاسِدُنا دخل في تجارة مع فاسِدُكم فَهُم في الفساد سواء .. هذا عرض وذاك اشترى .. ذلك لا يعني على الاطلاق اننا جميعاً فاسدون .. وانكم جميعكم فاسدون .. وليس لي يد في ذلك .. وليس لك يد في ذلك .. أيدينا طاهرة كطهر أرواحنا المتصلة بالسماء, ويتوجب على تلك الأيدي ان تتماسك وان تُحيّي بعضها البعض, كي لا تعين اعدائها عليها .. وتقبل تحياتي"

بعد اسبوع .. قمنا بزيارة اخرى إلى منزل ستو كوثر .. واخبرتني انها بلّغت الرسالة , وقبل يومين بالتحديد زارهم صاحب المحل واعطاها صندوق خشبي صغير واخبرها ان تُهديني اياه.

يـــــــالفرحتي العارمة, قد استجاب .. نعم .. قد استجاب لرسالتي وفهمها .. وقد انضم إلى صفي جندي آخر في سبيل توحيد امتنا ..

كم اسعدَتْ قلبي هدية صاحب المحل .. احترمته كثيراً .. ومازلت احتفظ بهديتيه وابتسم كلما رأيتها ..

حدث ذلك في عام 2005 م, ولم يحدث ان التقيت صاحب المحل مرة أخرى, اتمنى ان يكون بأفضل حال وانه مازال جندي في سبيل توحيد الأمة الإسلامية ..

تخيلو لو انكم كنتم مكاني .. ماذا ستفعلون؟

J

ملاحظة: *ستي: لقب حجازي يُطلق على الجدّة.

هناك 14 تعليقًا:

  1. "أيدينا طاهرة كطهر أرواحنا المتصلة بالسماء, ويتوجب على تلك الأيدي ان تتماسك وان تُحيّي بعضها البعض, كي لا تعين اعدائها عليها .."


    رائعة !!

    ردحذف
  2. ليس هناك أروع من ..
    بسمة :)

    ردحذف
  3. ما اروع ان ارى أختي نجمة تتلألأ في السماء :)

    ردحذف
  4. فعلاً، شخص واحد يسيء لأمة أو دولة أو أسرة ..

    جميلة رسالتك له ..

    ومؤسف ما حصل له ..

    ربي يسعد قلبك يا ملاك ..

    ردحذف
  5. جمال ..
    لم اكن نجمة لو لا انعكاس شمسكم على سطحي .. :)

    ردحذف
  6. أخي محمد ..
    للأسف البعض يُدرك بأنه يسيئ لمن يمثلهم ..
    ولكن ... !!
    أسعدك الله بكل خير .. :)

    ردحذف
  7. روووووووووووووووووعة

    والله يجي منك يا ملاك ؟؟؟؟؟

    أروى

    ردحذف
  8. مبدعة كعادتك ... عزيزتي ملاك
    أتمنى لك مزيدا من التميز..
    رقية..

    ردحذف
  9. أروى .. رقية..
    نوّرت المدونة بوجودكما
    وحلّت عليها انواع البركة..
    شكراً لكما .. :)

    ردحذف
  10. والله مرررره حلوه ياملاك مزيد من التقدم
    داليا

    ردحذف
  11. its really nice...malak when i read your blogs i feell happy maybe becouse of your way of writing this blog have alot tru sence of compation. If i was in your place i couldn't do better than you did maybe i'd show him with my attitude how decent we are (saudias)so..
    keep it up in writing
    Reem Labani

    ردحذف
  12. لهذا السبب دائما اقول عندما تسافر لبلد اجنبي فراقب تصرفاتك فانت تمثل الصورة التي يكون عليها بلدك
    اشكرك جزيل الشكر على هذه المقالة الرائعة

    MOoOR

    ردحذف
  13. داليا .. شكراً لكِ ياغالية :)

    ريم .. تُسعدني حروفك وكلماتك ..
    واتمنى ان نحظى جميعاً بفرص تُمكننا من تمثيل وطننا الحبيب على اكمل وجه..
    :)

    ردحذف
  14. MOoOR
    من الجميل أن نجد البعض يعي المعنى الذي ذكرت،
    وليتها تنتشر بيننا لتُصبح ثقافة متأصلة فينا ..
    اشكرك جزيل الشكر على قرائتك للمقالة :)

    ردحذف

عزيزي القارئ .. رأيك محط اهتمامنا وتقديرنا .. فأكرمنا به.