على زندها أضع رأسي ..
ومن عينيها انسج احلامي ..
في كُلِّ مساء تضمني إلى جوانحها فأرى لمحة من عالم الغيب ..
سُبحان من حوّل صدرها إلى مرتع حبّ .. ودقات قلبها إلى انذارٌ بالامان ..
تُخلل أصابِعها في شعري .. تُتمتم بالفاتحة ثم المعوّذات ثم آية الكرسي و تنفث عليّ ..
تنظر إلىّ بابتسامتها الهادئة قائلة: تُصبحين على خير ..
كعادة الطفلة المدللة .. تأبى إلاّ سماع الحكايا قبل النوم ..
فتبدأ الجدّة الحنونة بطرح حكاياها المكاويّة اللذيذة .. تقول:
هادي البسة (القطة) جات .. حفرت حفرت اتحَنّت يدها
طالعت لربها كحلها عينها
راحت بيت السلطان اداها (اعطاها) لولو ومرجان
راحت بيت الوزير ادوها موية من الزير (البئر)
راحت للفران اداها حنانة ( عجين بالتمر)
راحت للكلب قالتلو شوف يا كلب .. ايييييييييي
راح الكلب حفر حفر انكسرت يدو
طالع لربو عمالو عينو
راح بيت السلطان دردبوه (اسقطه) من الدرجان
راح لبيت الوزير دقدقوا راسو في الزير
راح لراعي الدكان دقدق راسو في التنك (صفيح من الحديد)
راح للفران دخلو في الفرن !!!
وبانتهاء الحكاية تتصاعد ضحكاتي .. سائلة المزيد .. والكريم إذا سُئِل أجاب .. وستّي أكثر النساء كرماً ..
ليس كرماً فقط .. بل أكثرهن جمالاً في الوجه والروح .. لذلك أُحب سماع صوتها كلّ مساء، والتّلذُذ بالنظر إلى وجهها قبل النوم، ومرافقتها طوال اليوم ..
أعشقُ جدتي كثيراً .. وأعشقُ العادة التي علّمتني اياها ..
أورثتني تلك العادة حبّ القراءة قبل النوم .. وحبّذا ان كانت في رواية ظريفة أو مادّة بسيطة لأجلب الأحلام السعيدة إلى مُقلتيّ .. وإن لم أجد هذا النوع من القراءة .. فإنني اتجه إلى أحبّ الكتب إلى قلبي ولكنها تُصنف من النوع " الثقيل" فكراً .. وفي العادة تجلب الأحلام المعقدّة التي تُفسد عليّ مسائي وصباحي .. !!
فقررت أن أحكي لنفسي .. كما كانت تفعل ستّي .. في كلّ مساء .. أخلد إلى فراشي .. أتلحّفُّ بلحافي .. أُحصّن نفسي و أقرأ سورة الملك .. ثم أتاكد من السكون حولي .. وعندها أبدأ في الرواية .. إما أروي على نفسي حكايةٌ جديدة من نسج خيالي الفوريّ .. أو أُكمل الحكاية التي بدأتها منذ يوم او اسبوع أو شهر .. وربما سنة ..
أبطال حكاياتي متنوعون .. منهم من أعرفه .. فأقحمه بناء على شخصيته في احدى الحكايات .. ومنهم من لا وجود له على الإطلاق .. ومنهم مزيج بين الواقع والخيال .. وبذلك تتنوع الأحداث وتشتدُّ الخطوب ..
بعض الحكايا تمتدُّ معي حتى الأحلام .. وبعضها جميل لدرجة أنني ابتسم ثم أودّع أبطالها وأنام .. وبعضها مؤلم يدفعني إلى دفن رأسي في وسادتي وأبكي وأبكي .. حتى أفيق متسائلة إن كانت الأحداث قد وقعت حقاً أم أنها لم تبرح الحكاية .. وبعضها جميلٌ ممتعٌ سلسل .. يُشوّقني إلى مساء اليوم التالي ..
أشعر بأن في حكاياتي مرتع خصب لفكري الجامح .. أُحِبُّ تجربة العيش في انماط الحياة المختلفة .. أُحِبُّ تعدد المواقف والخبرات .. أُحِبُّ أن أتقمصّ شخصيات مختلفة عني بالكليّة .. في البؤس .. والفرح .. والعمل .. والفكر .. والمنصب .. والأسرة.. لأرى كيف تنظر إلى الحياة وماهي دوافعها لتلك النظرة .. أُحبُّ أن أرى ابطالي في مأزق أو مشكلة أو خطب ما و اتوق إلى معرفة النجاة بناءً على توجُّهاتهم المختلفة .. أو أأخذهم بيديهم إلى كوامن السعادة .. أُحِبُّ أن أعزف في حكاياتي الحاني الخاصة وأغني أغنياتي التي ما سمعها أحد سواي .. حكاياتي .. احدى عوالمي الخفيّة ..
ثم استيقظ لأجد ستّي في غرفة الجلوس .. تجلِسُ وكأنها الشمس أذنت بطلوع النهار .. أُقبِّل رأسها ويديها .. وأّقُصُّ عليها قليلٌ من الحكايا وأحتفظ بكثيرها لي .. ثم تبادلني حكايتي بحكاية .. وهكذا حتى تنصرف كلتانا إلى ماعليها فعله ..
ما أجمّلُكِ يا ستّي .. وما أجمل ما اورثتني اياه ..
وما أعمق الحُبّ الذي دفنتيه في قلبي .. أنفقت منه كثيراً ولم ينضب حتى الآن ..
قُبلة حُبٍ واجلال على جبهتك الطاهرة .. أدامك الله في حياتي "حياتي" ..
امين يارب :))
ردحذفبصراحه من اجمل ماقرأت :)
داليــــا
جميلٌ أن يسيح الإنسان في دنيا خياله وأرجاء كونه والأجمل أن يتملك ملكة تسخير الكلمات التي تصف لنا شيئا من ذلك العالم ..
ردحذفوهبك الله خيالا جميلا خلاّبا و إحساسا ينقل لك مشاعر عالم الخيال إلى عالمك وقلماً نورانياً ينسج ذلك الخيال كلمات تأنس به وتتذوق جماله كل روح أبصرته وجرت عيناها على أحرفها ..
دمتِ لأحبابك ولأمتك ذخرا ..
تحياتي ..
داليا ..
ردحذفلأنكِ جميلة .. منحتِ كلماتي لقب الجمال
شكراً لكِ يا جميلتي .. :)
صاحب/ة الردّ الثاني ..
ردحذفتمنيت لو أنك تركك اسمك الكريم ..
أخجلتني كلماتك ..
انا على يقين بأن وصفك الجميل لكلماتي ما هو إلاّ
انعكاس عن روحك الجميلة والنقية التي ترى في كلّ شئ معاني الجمال ..
ابهجني تواجدك في مدونتي ..
لك شكري وامتناني .. :)