ترددت هذه العبارة في " وجهي " كثيراً طوال عمري فتمنيت من قلبي أن لا أزور الرياض أبداً، لست اكرهها ولا أحبها، ولكنه انطباع ظلّ راسخ في ذهني .. وما كل ما يتمنى المرء يدركه!!
اضطررت إلى زيارة الرياض -لأول مرة- في شهر مارس من اجل مؤتمر وفعالية اخرى، تحمست لتلك الزيارة لأنني سألتقي
مع صديقتي المقربة جداً وخالي الذي اشتقتُ اليه كثيراً، وبعد برهة قلّ حماسي، لماذا .. لأنها الرياض!!
جهزت حقيبة سفري وكنت برفقة اختي، ذهبنا الى المطار مع والدتي واختي الصغرى، وتلك أولى سفراتنا التي ودّعنا فيها الوالدة حفظها الله واهلنا وانطلقنا دونهم، وصلنا متأخرين عن موعد الوصول المحدد، أُجبرت على حمل حقيبة الملابس في يدي وصعدت بها إلى الباص المقيت المتحرك، ظلت الحقيبة تترنح معي حتى وصلنا إلى الطائرة، وهنا كانت المأساة، حيث أنني حملتها وصعدت بها سلالم الطائرة الطويلة المملة حتى أوشك نفسي على الانقطاع، دخلت بها الطائرة ووقفت عند مقعدي انظر حولي وأقول في نفسي: هل من مساعد على رفع هذه المصيبة داخل الخزائن العلوية؟، يبدوا أن جميع الركاب قالوا في نفسهم:لا، التقطت انفاسي وقلت - الله لا يحوجني لأحد - وقذفتها داخل الخزانة كلاعب بارع قذف الكرة في السلة، بعدها جلست على المقعد وقلت ببؤس: أهلا بالرياض !!
وصلت الى مطار الملك خالد، استقبلنا اخي وخرجنا من المطار بسلام، ركبت في السيارة محدقة في الشوارع والأشخاص، لا يوجد شئ غريب في هذه المدينة يُبرر احساسي السئ تجاهها، سأبتسم للرياض لتبتسم لي، ومنذ متى أتأثر بـ"كلام الناس"، لا تؤثر بي إلا مبادئي، ومبادئي تُحتّم عليّ اعطاء فرصة للرياض لتُدرج في قائمة " أحبائي" .. بهذا خاطبت نفسي، ولكنني مازلت قلقة تجاه تعصب أهلها وتعاليهم، إنني أكرة التعصب جداً، نتنٌ وقذر، أكرهه بكل مستوياته على صعيد الدولة الواحدة أو الأمة بأكملها، وإن قابلت أحد المتعصبين سأغلق أذني عن "نتانته" وأرتقي بمبادئي عن الردّ، نعم .. هذا ما سأفعل!
وهنا أتحدث بأمانة، بأنني خالطت أهل الرياض في المؤتمر و في الأماكن العامة وفي فعاليات مختلفة فلم أجد منهم أي اسائه، بالرغم من لهجتي الحجازية الواضحة جداً وطريقة حجابي المختلفة عن حجاب نساء الرياض إلاّ أنني لم أجد مضايقة على الاطلاق.
ومن أجمل ما حدث في هذا الموضوع، أننا ذهبنا إلى " الرياض جاليري" فجلسنا في احدى المقاهي، واعجبنا ما قدموه لنا.
![]() |
منظر من داخل الرياض جاليري .. جلسنا تقريبا هنا |
ان كانوا ابناء الوطن فهم اغبى من ذلك لأننا سنتصدى لـ " نتانتهم" بطيب نفوسنا ومحبتنا، وإن كانوا من خارج الوطن فلا يحيق المكر السيئ إلى بأهله.
أشعر دائما برعاية ربي، وانه دائما بكرمه يعلمني ما جهلت، وأفتش عن رسائله لي في كل حدث، دقّ أو جلّ، وها أنا أقرئ رسالته واضحة جلّية في رحلتي هذه، لا للحكم المسبق، حسن الظن والمحبة هما الأساس.
قضيت في الرياض أيام جميلة جداً برفقة أختي وصديقتي وأخي، ما كنا نذهب إلى المنزل إلاّ قليلاً للجلوس مع خالي، ومن اطرف المواقف، أن اخي قابل للضياع في شوارع الرياض، وكان يُحدد وجهته بناء على موقع برجي الفيصلة والمملكة، في احدى " مشاويرنا" ضللنا الطريق، وغاب عن ناظريه البرجان، اتصل خالي وكأنه يشعر بأمرنا، فأخبرناه أننا على ما يرام وما كنا ندري أننا في طريق الدمام !!
تركت أخي مع أختي يبحثون عن مخرج وسبيل للعودة إلى " الفيصلية والمملكة" وانا استلقيتُ في المقاعد الخلفية أرتاح تارة و أغني تارة و" أطقطق " على رأس أخي تارة أخرى .. حتى عدنا ادراجنا بعد اكثر من ساعة ونصف!!
موقف طريف آخر تعرضنا له بعد خروجنا من معرض الكتاب الذي قضينا فيه مايقارب اربع ساعات، كان اخي الحبيب منهك جداً فحمل الكتب الكثيرة على ظهره وتقدمنا مع اختي، وكنت وصديقتي في الخلف، صديقتي تكشف عن وجهها، فأقترب منا أحد " المطاوعة" ونظر إلى الأعلى فوجد وجه صديقتي فقال " تغطية الوجه واجبة " ثم اشاح بنظره إلى الأسفل ليجد بنطالي الذي انكشف عنه طرف العباءة السفلي فقال" ولبس البنطال محرم" .. لم اتمالك نفسي .. انفجرت ضاحكة .. ما بين فتوى وفتوى أقل من ربع دقيقة، قلنا له جزاك الله خيراً وانصرفنا .. الموقف ليس فكاهي .. ولكن في وقته كان فكاهياً جداً !!
الرياض جميلة ومتقدمة مقارنة بمدن عربية كثيرة، أحببتها بحسنها وعيوبها، ولكنني أستنكرت البرود فيها .. لا أشعر أن فيها روح تحركها .. لا اعلم لماذا؟؟
بعد يومين سأزور الرياض مجدداً لأيام قلائل، ولكن هذه المرة سأنثر على الرياض عبق محبتي فور وصولي، سأجدد عهدي الجميل بها، سأستمتع بكل لحظة معها وأدون تفاصيلي الدقيقة في ارجائها، سأبتسم للرياض واهلها الطيبون من قبل وصولي اليها بيوم .. :)