السبت، 17 يوليو 2010

الوردة




كنت اتقلب على سريري ذات مساء، أبحث عن نوم هانئ أو غفوة مريحة، عبثاً أحاول، فأخذت أفكر مع نفسي، ما سرّ العلاقة المضطربة بيني وبين النوم .. من الذي وشى بي عنده ليتعلم الهجر .. لماذا .. لماذا نقتل الورد؟!

قُطِعَت أفكاري المتسلسلة حول النوم حينما نظرت إلى وردة حمراء، مستلقية على خزانتي الصغيرة، كانت تحاول الصمود والمحافظة على نعومة أوراقها وعطر شذاها قبل يومين، ولكنها عجزت عن المقاومة هذه الليلة فأستسلمت لبراثين الموت .. شئ في داخلي تسائل .. لماذا نقتل الورد؟؟

جعلت أفكر ملياً في هذا الأمر .. وفي كل مرة أقول: يالا وحشية البشر .. أنقتل وردة؟؟ ألم تُجمّل الإصباح و تنشر عبق أريجها في الإمساء؟؟

أنقتل الجمال بعينه .. الجمال الحقيقي .. الذي لم يعرف الزيف ولم تخالطه تدخلات مدّعون صناعة الجمال من البشر .. أنقتله ثم نبحث عنه في وجه مُلطّخ بالألوان .. أو بين اللوحات .. في ريشة رسام!!

يا لا بشاعة البشر .. لا قيمة لما لديهم .. وما ليس لديهم ذو قيمة عالية، لا تعنيهم الطبيعة .. ويشغلهم الإصطناع!!

آه .. ليتي أغطُّ في سبات عميق يُنسيني قُبح ما اقترفته تجاه الورد ..

"لا تشعري بالذنب" .. تلك الكمات انبعث من مكان قريب .. أوه .. وردة تتحدث .. لا بدّ وأنني في حلم أو أنني فقدت عقلي للتو!!

قالت الوردة: لا تقلقي .. لم تفقدي عقلك ولستِ بحلم، إننا بعد موتنا نُمنح الحق في اختيار أُمنية، وكانت أمنيتي أن أتحدث إليكِ، اصغي إليّ .. سأبوح لكِ بما لم يُباح لغيرك .. ارجوكِ لا تقاطعيني فليس لديّ الوقت للجواب على أسئلتك ..

ألم تتسائلي من قبل عن سبب اختيار القلب والسهم والوردة لتمثيل الحب؟؟

القلب .. يُشير للأهمية السهم .. كناية عن الألم الوردة .. نموذج التضحية

الحبّ ذو اهمية كبيرة .. ولكنه لا يخلوا من الألم .. لذلك لا بُدّ من التضحية.

إننا معشر الورد نُضحي بحياتنا ونختار طوعاً أن ننُهيها بين أيديكم لنمنحكم دروساً في الحبّ ..

أتعرفين ما سرّ الجمال في أوراقي وعطر شذايا وخضرة ساقي؟؟

إنه الحبّ .. يُسقينا الفلاح بحبّ .. تُطعمنا الشمسُ بحبّ .. فنحبهم ونحب أنفسنا و نفيض حباً .. حتى تحمّر أوراقنا من دفئ الحبّ .. إنكم تحبّوننا لذلك الدفئ الجميل الذي يداعب أناملكم عند لمسنا .. أليس كذلك؟

إنّكم تحبوننا لتلك الرائحة الزكية المنبعثة منّا والتي تُنعش أحلامكم فتأخذكم إلى هناك .. حيث انتم ومن تحبّون .. بعيداً عن بؤس الحاضر وجَلْد الماضي ومخاوف المستقبل .. أليس كذلك؟

إنكم تحبوننا للخضرة الناصعة في سيقاننا .. إنها تُطمئن قلوبكم .. بأن سواد التربة الواسع عميق الغور لا يعني الموت والانتهاء .. إنه ميلاد .. لنصرٍ طويل .. أخضر .. مؤزرّ .. محاطُ بأشواك تحميه من عبث الحاقدين .. اليس كذلك؟

إننا نعطيكم لأننا نحبّكم .. لا ننتظر منكم مقابل .. نحبكم وحسب .. ويكفي لحبّنا سبباً لمحبتكم ..

عزيزتي .. يبقى الرمز رمز .. وما نحن إلاّ رمز بين المحبين .. ويبقى الفعل أصدق .. وانتم اهل الفعل ..

أحبّوا انفسكم حتى تغدقوا على غيركم بالمحبة .. دثّروهم بالدفئ .. حصّنوهم بالأمان .. املؤهم بالأمل .. ضحّوا لأجلهم .. أحبّوهم بلا شروط أو قيود ..

إذا أردتم التعبير عن حبكم .. لا تهدوا إليهم الورد .. لأنهم لن يلبثوا إلاّ قليل حتى يقولوا " أتحبني ؟ " ..

ولكن أعلنوها بقوة لمن تحبون "أُحبُّك .. أُحبُّك ".. ويكفي بحبي دليلاً على حبّي .. كرروها مرة أخرى .. "أُحبّك ".. حتى تحمّر وجنتيكم .. وتنبعث من شفتيكم أجمل الألحان .. ويخضرّ عودكم .. فتصبحون الوردة الجميلة في حياة من تحبون .. عندها لن تحتاجوا إلينا .. وهل يُبدّلُ الوضوح بلغز؟؟ .. ولكننا سنظل متعةً لناظريكم وتذكاراً بأن تكون وردة.. وماضاع من اتّخذ قدوته في الحبّ .. وردة!!

انتهى حيث الوردة .. وكلي ذهول .. إلى الآن لا أعلم إن كان حقيقة .. أو نسج من خيالي .. أو هذيان الاحساس بالذنب .. لا أعلم .. لا اعلم ..

إهداء:

إلى وردة حياتي .. والدي رحمه الله .. أحبّك جداً

وإلى كل الورود الجميلة في حياتي .. أحبكم جداً