الاثنين، 17 مايو 2010

اصمت قليلاً .. تحدّثي كثيراً


في قديم الزمان .. افترض شخص ما أن المرأة كائن كثيرة الكلام، يتدخل فيما لا يعنيه، وأن الرجل قليل الكلام ويهتم بما يخصه فقط ويدع ما للغير للغير، وكلنا يعلم مدى خطورة الافتراضات الخاطئة خاصة إذا فُرضت كسمة مميزة للغير، حتى إن لم تكن في الحقيقة من سماته، لأن ذلك سيُحدث ردة فعل عكسية تجاه الفرضية فيحدث العكس تماما!!

وقد وقع ما كنت اخشاه حيال فرضية ثرثرة المرأة وصمت الرجل !!

عندما أقرأ الصحيفة كل صباح أجد الرجل ثرثاراً جداً لدرجة أن أحدهم لا يكتفي بالمقال الواحد بل يصنع من فكرة واحدة بسيطة سلسلة من المقالات، وأجده وبشكل واضح يتدخل فيما لا يعنيه بالدرجة الأولى ..

في الصفحة الثانية من الصحيفة – لم أبدأ بالأولى لأنها للعناوين الرئيسية والتي يتصدر كتابتها الرجل!!- مقال بعنوان: المرأة وقيادة السيارة .. بقلم د.الرجل المفحّط .

في الصفحة الثالثة .. مقال بعنوان: المرأة والإختلاط .. بقلم أ.د. رجل التوحّد.

في الصفحة الرابعة .. مقال بعنوان: المرأة وعملها خارج المنزل .. بين النجاح والفشل .. بقلم د.رجل مالوش منافس.

في الصفحة الخامسة .. مقال بعنوان: العنوسة وحلّ التعدد الأمثل .. بقلم: رجل يبحث عن حب حقيقي – لا يُشترط هنا أن يُسبق اسم الكاتب بـ د. لأن معظم الرجال حصلوا على الدكتوراة في مثل هذه الأمور .

والصفحة السادسة .. ثم السابعة .. وهلُّم جرّ ..

لا أكاد أصل إلى نهاية الجريدة حتى أصرخ بأعلى صوتي .. يا أيها الرجل .. اصمت قليـــــــــــــلاً ..

انني لا أُهمّش دور الرجل في الإصلاح والتطوير العام، فلبعضهم وجهة نظر مؤثرة ورأي صائب، ولكن يزعجني حقاً عدم وضع الأمور في نصابها الصحيح، لماذا يتحدث الرجل دوماً عن المرأة وكأنها قاصر أو مخلوق غير ناضج لا يستطيع تمثيل ذاته؟؟

فنجد الملتقيات والنوادي والمؤتمرات التي تختص بشؤون المرأة يتصدرها الرجل ويُكتفى بحضور واحدة أو اثنتان من بنات حوى، هذا اذا كان الحضور فعلي .. فقد يغلقوا عليهن في قاعة فارغة مع نقل حيّ لما يجري بين السادّة الرجال في القاعة الأخرى والإكتفاء بأخذ تعقيبهن بعد الانتهاء من مناقشة المحاور !!

يا أيها الأفاضل .. مهما بلغ الرجل من العلم .. ومهما بلغت بحوثه وحلوله في مجال قضايا المرأة .. لن يستطيع إعطاء حلّ جذري لمشكلاتها .. ولن يستطيع مناقشة قضاياها بمعزل عنها .. لأنه يختلف فسيولوجياً وسيكولوجياً عنها – حتى اللغة العربية راعت هذا الاختلاف وعبّرت عنه بـ هو وعنها بـ هي - ناهيك عن من يناقش أمورها بآراء "مُسيّسة" ومصالح شخصية !!

لن يستطيع مناقشة قضايا المرأة وحلّ مشكالتها وتلبية احتياجاتها سواها .. إنها المعنية بالأمر .. وقد أودع الله سبحانه وتعالى فيها نعمة العقل كما اودعها في الرجل .. وأودع فيها من الدهاء والذكاء وبعد النظر مالم يودعه في غيرها .. وفي السيرة المباركة نماذج مشرّفة لنساء حملن مصابيح الإيمان ووقفن جنباً لجنب مع شقائقهن لخدمة الإسلام وإحداث النهضة .. وفيها أيضاً ما يدل على أن المرأة في عصر الحبيب صلى الله عليه وسلم كانت مسؤولة بشكل كبير عن ما اختُصّت به، فعندما جاءت امرأة إلى رسول الله - سيّد الثقلين والعالِم المعلِّم – وسألته عن أمور الحيض، أوكل عليه الصلاة والسلام الأمر للسيدة عائشة رضوان الله عليها لتجيب المرأة .. وكفى بإمام المؤمنين - عليه الصلاة والسلام - قدوة ..

يا أيتها المرأة .. من الذي أرداكِ ودعم بؤسك .. من الذي أخرس لسانك وسرق قلمك من بين أصابعك .. تحدّثي كثيراً .. دافعي .. طالبي .. اعملي .. فليس وصفاً أبلغ من وصفك لنفسك .. وليس حجةً أصدق من حجتك لأمرك ..

تحدّثي إنها فرصة .. إنك زمن عودة الحوار واحترام المراة .. إنك في زمن

عبد الله بن عبد العزيز ..


توقيع:

ابتسمت وقالت بهدوء:

إنك شيئ يوجب حمد الله عليه.

فابتسم بغرور وقال: لماذا؟

قالت: لأنك يا حبيبي مصيــــبة !!


السبت، 8 مايو 2010

جيمي اوليفر


جيمي اوليفر .. إنه أحد الطهاة البريطانيين المشهورين ..

تُذاع برامجه للوطن العربي على قناة فتافيت المتخصصة في الطبخ وفنونه ..

اتابع بشغف ابداعات هذا الرجل بالرغم من عدم اهتمامي بعالم الطبخ على الاطلاق .. إلاَ انني اُحبّ متابعة المتميزين في أي مجال وتحت أيّ مسمى .. يستهويني الإبداع .. التجديد .. التميّز .. والبساطة ..

وكل تلك الصفات تجمعت في اوليفر مع صفة مهمة جداً، وهي تطبيع البرنامج بطبعه، واعطائه سمة مميزة بأن جعل كل مافي المطبخ من أواني ومواد غذائية وغير ذلك جزءاً من شخصيته الطبيعية المبتسمة الهادئة في أغلب الأحيان ..

أما اليوم .. فقد فاجئني بأمر آخر استحوذ على اعجابي وتقديري ..

برنامج " Jamie's Kitchen Australia " " مطبخ جيمي الأسترالي"، تدور احداث البرنامج حول مؤسسة

" Fifteen "، إنها مؤسسة استرالية تم انشائها لتبني مواهب الطبخ لمن خاضوا تجارب سيئة في حياتهم كالإدمان والسرقة وما إلى ذلك حتى تساعدهم على العيش المستقيم وتحقيق اسطورتهم الشخصية، وقد اُختير اوليفر ليكون المدرب لهذه المجموعة وليُنشئ معهم مطعم يضمهم جميعاً كطهاة، حتى يشجع بعضهم البعض في مسارهم الجديد المشرق.

وافق اولفير على العرض وطلب منهم ان يلتقي بالمتدربين أولاً، وحدث اللقاء في يخت جميل، اخذ اوليفر يتجاذب معهم اطراف الحديث ويتعرف على شخصياتهم ويتقرب منهم، لأنه أراد ان يقدم لهم المساعدة الحقيقية، حيث احترم انسانيتهم واحترمهم كشباب لهم الحق في الحياة ولهم الحق في ان يحلموا وأن يصنعوا مستقبلهم بأيديهم وإن اخفقوا في لحظة ما.

كان البرنامج اكثر من رائع وبه معاني جميلة واضاءات فكرية عالية المستوى، ولعل اكثر ما لفت انتباهي موافقة اوليفر على ان يكون جزء من هذا المشروع ولو لمدة قصيرة.

إنه من اصحاب الرسالات، يؤمن بموهبته كطاهٍ محترف ولكنه أكثر ايماناً بأن الطبخ ما هو إلى وسيلة لتحقيق رسالة في الحياة، فتنوعت رسائله بتنوع حلقاته، يطهوا أحياناً ليسعد زوجته أو اصدقائه، ويطهوا أحياناً ليناقش ثقافة، واحياناً يطهوا ليُغيّر مفاهيم، وقد يطهوا لنفسه لأن اوليفر يستحق التقدير.

كل موهبة أو عمل – أياً كان - يُمكن استخدامه لإيصال رسالة، فلا تستهر بهما، إن كنت طاه او كاتب أو رسام أو ميكانيكي أو عامل نظافة أو موظف عادي أو طالب أو وزير أو أمير، تأكدّ بأن لك رسالة خاصة بك وحدك لن يستطيع أدائها سواك، فاحسن اختيار هذه الرسالة ولتُحسن ايصالها على اكمل وجه.

هذا ما علمنا ايّاه معلم البشرية عليه الصلاة والسلام، وبهذا سبق اجدادنا، وبهذا سبقونا الآن.



السبت، 1 مايو 2010

.. رســــــالة ..


مصر .. بلد الحرية والنصر .. أُحبها جداً .. فـبالرغم من همومها العظيمة وأوجاعها الأليمة .. تجعلني سعيدة .. وكأن الهم والوجع لم يعرف طريقي يوماً .. !!

في احدى زيارتنا اليها تلقينا دعوة للغداء من احد أصدقائنا هناك, صاحبة الدعوة تُدعى كوثر – اناديها بـ ستو كوثر احتراماً لسنها ولأنها ليست *ستّي الحقيقية - إنها امرأة ريفية .. في أواخر الخمسين من عمرها .. كريمة .. محترمة .. تستحق الحب والتقدير لأنها " جدعة .. بنت بلد" .. دعتنا الى منزلها الجميل في منطقة زراعية, كان للمنزل اطلالة رائعة على نهر صغير اصطفت حوله شُجيرات قليلة .. وقفتُ في شرفة المنزل الواسعة أتأمل النهر .. الشجيرات .. العاملين الكادحين .. يا لبركة تلك الوجوه المتصببة عرقاً بعد يوم طويل وشاق من العمل!!

وبينما كنت اتأمل .. وقعت عيناي على محل نجارة صغير يقع أسفل منزل ستو كوثر - وكنت انذاك مهتمة كثيراً بموضوع النجارة حتى انني صنعت بمفردي رفّ للكتب في ورشتي الصغيرة على سطح منزلي - وعلى الفور طلبت منها زيارة المحل, رحبّت بالطلب وقالت بأن صاحب المحل صديقهم وسيسعد بزيارتي, نزلنا سوياً ودخلنا المحل, بدأت هي بالسلام والكلام مع صاحب المحل أمّا انا فتجولت مبهورة في ارجائه .. خشب .. آلات متقدمه للنشر .. أعمال منجزة رائعة .. وأخرى في طور الانجاز .. ما اجمل تراقص قطع الخشب المتطايرة على موسيقى صوت آلات النشر, لم يقطع عليّ حالة الانبهار سوى صوت ستو كوثر وهي تُعرَّفُني بصاحب المحل, كان هادئ الملامح, زُيّن وجهه بلحية خفيفة, ابتسمت له والقيتُ عليه التحية, عندها نظَر إليّ نظرة غضب وبالكاد رد التحية, همست في أُذن ستو كوثر " أشعر بأن وجودنا ازعجه .. دعينا نرحل", استنكرت قولي ونفت وجود اي ازعاج وقبضت على يدي واخذتني في جولة داخل المحل, كانت تتحدث وتشرح ولكنّي لم اسمع شيئاً مما قالته, لأن بالي منشغل بسؤال واحد .. لماذا غضب حين رآني؟ إنها المرة الأولى التي ألقاه فيها .. !!

انتهت جولتنا .. شَكَرتْ ستو كوثر صاحب المحل وبقيتُ صامتة ,وذاك طبعي عندما اشعر بارتياب وحيرة, وقفنا على عتبة المحل .. نظرت إلى صاحب المحل طويلاً ثم انصرفت.

عيناه .. إنها تحمل معاني غاضبة .. بائسة .. أليمة .. حُزنٌ دفين أضفى على عينيه العسلية سواداً عظيم, عندها توقفت وسألت ستو كوثر " ما بال هذا الرجل؟", قالت: اعذريني .. نسيت ان أقُّص عليكِ حكايته قبل ان تلتقين به, إنه رجل خلوق ومحافظ .. تزوجت اخته الصغرى من رجل سعودي كبير السن .. اغراهم بماله فزوجوه ابنتهم بالرغم من عدم موافقة أخوها الأكبر واحتقاره لصنيعهم, ثم اخذها زوجها الى السعودية وما هي إلا اشهر حتى عادت مطلقة, عادت بلا هدايا الذهب التي اعطاها اياها من قبل .. وبلا مؤخّر .. لم تكسب اي شئ من هذه الزيجة سوى انها اصبحت مطلقة, غَضِبَ اخوها .. واخذ موقف من السعودية واهلها.

لم استطيع الرد .. تذكرت نظرات الرجل .. وتذكرت ان هويتي السعودية كانت واضحة في حجابي وطريقة كلامي .. بدأت اصوات تتعالى داخلي .. آه لو كانَت اخبرتني عن هذه القصة قبل ان نلقاه لوَفَّرتْ عليَّ كثيراً من الاحراج, لماذا يا ابناء بلدي تُصِرّون على تشويه صورتنا في الخارج, هل هذا ردكم لجميل الوطن؟ هل هذا الدين الذي تحملون امانة تمثيله في اعناقكم؟

لوهلة .. أُصبتُ بخيبة أمل .. وأحسست بأني مدينة باعتذار لذلك الرجل .. سكت طويلاً .. ثم أخبرت ستو كوثر أن تحفظ عني ما سأقوله .. وتنقله إلى صاحب المحل .. قلت لها:

" أخبريه .. أنني احترم جرحه العميق .. وكما ادماه فإنه ادماني .. وكلنا سواء .. وكما ان منهم الصالح ومنهم دون ذلك .. فإن منّا الصالح ومنّا دون ذلك .. وان كان فاسِدُنا دخل في تجارة مع فاسِدُكم فَهُم في الفساد سواء .. هذا عرض وذاك اشترى .. ذلك لا يعني على الاطلاق اننا جميعاً فاسدون .. وانكم جميعكم فاسدون .. وليس لي يد في ذلك .. وليس لك يد في ذلك .. أيدينا طاهرة كطهر أرواحنا المتصلة بالسماء, ويتوجب على تلك الأيدي ان تتماسك وان تُحيّي بعضها البعض, كي لا تعين اعدائها عليها .. وتقبل تحياتي"

بعد اسبوع .. قمنا بزيارة اخرى إلى منزل ستو كوثر .. واخبرتني انها بلّغت الرسالة , وقبل يومين بالتحديد زارهم صاحب المحل واعطاها صندوق خشبي صغير واخبرها ان تُهديني اياه.

يـــــــالفرحتي العارمة, قد استجاب .. نعم .. قد استجاب لرسالتي وفهمها .. وقد انضم إلى صفي جندي آخر في سبيل توحيد امتنا ..

كم اسعدَتْ قلبي هدية صاحب المحل .. احترمته كثيراً .. ومازلت احتفظ بهديتيه وابتسم كلما رأيتها ..

حدث ذلك في عام 2005 م, ولم يحدث ان التقيت صاحب المحل مرة أخرى, اتمنى ان يكون بأفضل حال وانه مازال جندي في سبيل توحيد الأمة الإسلامية ..

تخيلو لو انكم كنتم مكاني .. ماذا ستفعلون؟

J

ملاحظة: *ستي: لقب حجازي يُطلق على الجدّة.