الحياة .. إنها المعادلة التي عجز عن حلّها عمالقة العلماء, وجفّت أقلام الفلاسفة في شرحها ووصفها,,
قال فيها من جهلها, انها برّاقة كفقاعة الصابون .. وليست ذات قيمة , وبالرغم من ذلك يتوجب علينا الحذر في التعامل معها وإلا انتهت ..
وقال فيها رواد الضياع ,إنها متاهة وُضعنا فيها واخذنا نبحث عن مخرج, واجتهدنا في البحث , ومازلنا نبحث رغم يقيننا بأننا لا نملك قرار الخروج..
وقال أحدهم من عشاق الجمال .. إنها إمرأة جميلة إن طلبتها تمنّعت وثارت وابتعدت, وإن تركتها عادت وخضعت واستسلمت ..
اما الأدباء فنعتوها بالقصة أو الرواية أو المسرحية , لا يهم من أي نوع هي على وجه التحديد, المهم أننا نحن الممثلون والمخرجون والمشاهدون, فعلينا إجادة التمثيل والإخراج حتى نستمتع بالمشاهدة..
وقال فيها الأطباء إنها داء لا يشفينا منه إلا الموت,, عسى الله أن يكن في عون المصابين بها!!
وقال فيها البسطاء .. علينا أن لا نحمّل الحياة ما لا تحتمله, ولا نأخذها على محمل التعقيد, إنها نحن بكل ما فينا .. إنها نحن ولا سوانا نحن !!
وأقول فيها إنها قهوة !!
لم أجد لها تفسراً وأعيتني تحليلاً .. ولكنني وجدتها في قهوتي ..
إنني أحب قهوتي رغم مرارتها .. ولا شئ يمزها سوى مذاق البن المرّ !!
إنها من بديع صنع ربي ,, ولكنها من تشكيلي ..
قد أصنعها حلوة, وأسرف في حلاها حتى لا يعود لمرارة البن فيها أثر , فلا أستطيع شربها أو القرب منها لأنها أصبحت سائل غريب مُميّع, إنه وهم يشبه القهوة!!
وقد أتركهها كما هي لاذعة المرارة , وأستسلم لجبروت ذرات البن وجلدها لاحشائي, وأكتم بوحي وأُنفِّسُ عن ألمي بدمعاتي, فأشربها قهوة بطعم الدمع .. ولكن ماذا لو انتهت دمعاتي!!
وقد أضيف لحبات البن الثائرة قليلا من السكر, يكسر من حدّتها ويتجانس معها فينتج خليطاً عجيباً, جُمع فيه الضدان, الحلو والمرّ, عندها سأجد في مرارتها رفيق لأحزاني وفي حلوها مرتع لآمالي !!
وقد أخلط البن بالماء المغلي, فتنضج القهوة سريعاً, ولكنها تحتاج إلى مهارة في التقليب المستمر حتى لا ينفصل البن عن الماء وأقع بين خيارين, أحدهما تجرُّع الماء مع بقايا البن .. وماهو بقهوة, والآخر ابتلاع حبات البن حتى أموت غاصاً بها .. وتلك هي قهوة النهاية!!
وقد أضيفها إلى الماء البارد ثم أتركها تنضج تحت رقابتي, ولكنني احتاج إلى الصبر .. صبرٌ جميل حتى تنضج, ثم أرتشفها شهية .. لذيذة .. عازفة اجمل المقطوعات على اوتار لساني .. في الحقيقة لا اعلم ..هل امتلك كل هذا الصبر؟؟
وبعد إعدادها سأشربها بكل استمتاع .. حيثما شئت ومع من شئت .. لأنها قهوتي .. بُنُّها أيامي .. وخليطها حياتي !!
إنني اتسائل على الدوام .. هل يحتاج " فنجان القهوة " إلى كل هذه المعاناة في صنعه وشربه؟؟
ثم اتذكر بأن حياتي قهوتي .. وقهوتي قراري!!
تحية إجلال وتقدير إلى من يرتشفون من فناجينهم كل صباح .. قهوة الحرية .. الممزوجة بطعم الدم!!
فبراير 2010 م.
